آيات الغيث

تحميل ملف PDF

آيات الغيث 

الغيث إذا نزلَ من الله ابتَهجت له الأرض ومَن عليها، من مؤمنٍ وكافر، وبرٍ وفاجر، بل كل الدواب تَبتهج بما أَنزل الله سبحانه وتعالى من رَحمة عليها، يَزيد المؤمن فرحًا على فرحه الطبيعي؛ يَزيد لاعتقاده أنّ هذا الماء النَّازل من السماء ماء مباركًا، قال الله سبحانه وتعالى: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً.

ويعتقد أنّه ماءً طهورًا، قال الله سبحانه تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا .

يعتقد أنه أثر من آثار رحمة الله سبحانه وتعالى، قال الله، وجل الله: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ، وقال سبحانه وتعالى: فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

جعل الله سبحانه وتعالى الماء أصل الحياة، قال جل جلاله: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ.

الله سبحانه وتعالى ذكرَ ما يتعلق بالغيث في القرآن في نحو سبعين آية، آيات تَتَحدث عن الماء بمعنى المطر، وآيات تَتَحدث عن الرياح الجالبة للغيث، وآيات تَتَحدث عن البرق والرعد والسحاب والمزْن، هذه الآيات العظيمة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه، عامة سياقاتها في ثلاث مسائل، سياق الآيات عن أي شيء يتحدث؟ مُعظم هذه الآيات سياقاتها في ثلاثة أمور:

السياق الأول: رَبط الخلق بخالقهم جل جلاله، رَبطهم بالخالق لا غِنى لأحدٍ عن الله سبحانه وتعالى الله جل جلاله، هو وحده الغني جل جلاله، أمّا بقية الخلق فهم فقراء إلى الله ضُعفاء، لا يملكون لأنفسهم جلبَ نفعٍ ولا دفع ضرٍ، فيُربط المخلوق بخالقه، والمنعَم عَليه، بالمنْعِم جل جلاله.

السياق الثاني: الحديث عن وحدانية الله سبحانه وتعالى، وأنّه جل جلاله المتفرد بالوحدانية، هو وحده جل جلاله الضَّار، هو وحده جل جلاله النَّافع، هو الذي يحيي، هو الذي يُميت، أرزاق العباد بيده وحده جل جلاله، هو المستحق جل جلاله للعبادة، ولا أحد معه، ولا أحد دونه، ولا أحد غيره مُستحق أن يُصرف له شيء من العبادة إلا الله جل في علاه.

السياق الثالث: من سياق آيات الغيث: سياق شكر نعمة الله سبحانه وتعالى المتفضل الممتن على عباده.

فكل ما بك -يا عبد الله- من نعمة ولطف وغنًا وقوة من الله وحده جل جلاله، فيربَى العبيد على أن يكون شُكرهم لله سبحانه وتعالى، فيَشكروه وحده جل جلاله ولا يَكفروه، يقول الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ، يُزْجِي سَحَابًا  يعني: يسوق بلطف، يُزْجِي سَحَابًا  السحاب سمي سحابًا لانسحابه مع الريح، يَنسحب مع الريح يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا  فوقَ بعض ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ الماء المطر فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ، سُميت هذه السحب أو شُبهت بالجبال. وللعلماء في ذلك أقوال منها:

أنّها تُشبه الجبال، ومن نَظر إلى السُّحب إذا كان في جو السماء رأى التّشابه بينها وبين الجبال، مع أنّ العرب وقتَ نُزول القرآن لم تَكن عندهم من الوسائل ما يرتقوا به يرتقوا هذا المرتقى المرتفع، ولكنه قرآن مُنزلٌ من الله سبحانه وتعالى، موحًا إلى قلبِ هذا الرجل النبي الأمي، من جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يعني ضوء برقه يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ.

 

نبينا ﷺ كان إذا نزلَ الغيث تَعرض إليه بِبدنه، أخرج الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك قال: أصابَنا ونحن مع رسول الله ﷺ مَطر، فَحسَر رسول الله ﷺ ثوبه. فقلنا: يا رسول الله لِم صنعت هذا؟ قال ﷺ: إنّه حديث عهد بربه.

 

وكان حَبر الأمة وتُرجمان القرآن عبد الله ابن عباس إذا نَزلَ الغيث أخرجَ متاعه وقال لجاريته: يا جارية أخرجي سَرجي وَثِيابي، ويقول: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ أخرجه البخاري في الأدب المفرد.

 

وكان ﷺ إذا نزلَ المطر كان من دعائه كما في صحيح البخاري أنّه يقول: “مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ”، كان يقول ﷺ: “اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، كما هو مخرج في الصحيح.

وجاء في مسند الإمام أحمد وعند أبي داود أنّه كان يقول ﷺ: اللهمَّ صَيْبًا هَنِيئًا.

وجاء في الصحيحين أنّه كان يقول ﷺ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ.

وجاء في البخاري أنّه كان يقول ﷺ: مُطِرْنَا برَحْمَةِ اللَّهِ وبِرِزْقِ اللَّهِ وبِفَضْلِ اللَّهِ.

 

قال ﷺ: على إثْر سماءٍ كانت من الليلة قال لأصحابه: أتدرون ماذا قالَ ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قالَ: أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَب.

وهذا الحديث ينبغي على المسلم أن ينتبه لِألفاظه؛ لأنّ الإنسان قد يَتكلم بالكلام من سخط الله لا يلقي له بالًا، يَهوي به في نار جهنم أبعدَ ما بين المشرق والمغرب، فالألفاظ يَنبغي أن تُراعى، وأن يُراعى الأدب مع الله سبحانه وتعالى، حتى وإن كان القصد صحيحًا؟ حتى وإن كان القصد صحيحًا؛ لأنّ صحة القصد لا يُصحح القول، قد يَرفع الإثم، لكنه لا يُصحح القول.

فيَنبغي العناية بالألفاظ الشرعية، وماذا كان يَقول ﷺ، وما هي الأشياء المحظورة خاصة عند تجدد نِعم الله سبحانه وتعالى على عباده.

نسأل الله جل جلاله أن يَزيدنا وإياكم من فضله، ورِزقه، ورَحمته، وجُوده.

 

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *