تفسير سورة الزلزلة

 أيها المسلمون يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الزلزلة: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا.

يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن أحداث وأحوال وأهوال اليوم الآخر، يوم القيامة والآيات التي يخبرنا الله سبحانه وتعالى بأحداث ذاك اليوم آيات كثيرة في الكتاب العزيز.

يذكرنا الله سبحانه وتعالى باليوم الآخر؛ لأن من شأن الإنسان انه ينسى ذاك اليوم يخالط الدنيا يسعى فيها يطلب رزق الله سبحانه وتعالى فيها، وربما ألهاه ذلك عن طلب ما عند الله عز وجل، ولذا فإن القرآن مليء بالتذكير باليوم الآخر وما يكون فيه من أحوال وأهوال، ومليء بالتذكير بالجنة وما فيها من النعيم، وبالنار وما فيها من الجحيم.

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا هذه الأرض التي جعلها الله قرارا، التي يمسكها الله سبحانه وتعالى، التي ثبتها بالجبال الرواسي، تهتز وتتحرك وتضطرب تزلزل، قال سبحانه وتعالى إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ، وكأنها لم تزلزل قبل ذلك.

وما كان منها من زلازل يسيرة كأنه لم يحدث شيء من ذلك، فهذا هو الزلزال الحقيقي العظيم الذي يصيب هذه الأرض، قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ۝  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ

هذه الأرض تتحرك وتضطرب يوم القيامة، فماذا يكون شأن الجبال فيها؟ قال الله سبحانه وتعالى:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ۝  فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ۝  لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ۝  يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ۝  يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ۝  يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ۝  وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا.

قال سبحانه وتعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا ۝  وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا.

هذه الأرض تُخرج ما فيها من أثقال وكنوز وبشر قد دفنوا فيها فتخرج الموتى الذين دفنوا فيها، وتخرج كذلك أفلاذ أكبادها، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ  تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا، أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا.

هذا الذي تقاتلوا عليه، قطعوا الرحم بسببه لا يأخذون منه شيئ، وهو مبذول بين أيديهم؛ لأن شأن الساعة شيء عظيم.

وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ۝  وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا.

(يقول الإنسان): يحتمل أنه كل أحد المؤمن والكافر، وقيل: أن الكافر الذي يقول هذا الكلام ويسأل هذا السؤال؛ لأن القيامة تقوم على شرار الخلق.

وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا.

قال العلماء: لا يوجه السؤال إلى الأرض، فلا يقول وقال الإنسان ما لكِ؟ وإنما يقول ما لها؟ يخاطب يحدث نفسه ليس ثمة أحد يستطيع أن يحدثه؛ لأن الإنسان يحشر وحده، ويأتي ربه وحده.

وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ۝ يومئذ تحدث أخبارها.

في يوم القيامة هذه الأرض التي مشى عليها الناس وسكنوا فيها وعملوا فيها ما عملوا تحدث أخبارها، هذه الأرض تشهد على أصحابها يوم القيامة بما عملوا من خير أو شر.

ولذا فإن بعض أهل العلم استحب أن يُغير المصلي مكان صلاته إذا أراد أن يتنفل بعد الفريضة؛ لأن هذه الأرض تشهد يوم القيامة، وهكذا ينبغي للمؤمن الموفق أنه يستشعر أن هذه الأرض تشهد له يوم القيامة بالأعمال الطيبة، كلما ذهب إلى مكان بعد أو قرب يحرص أن يترك أثرًا طيبًا صالحًا؛ لتشهد له هذه الأرض يوم القيامة عند ربه فتقول يا رب فلان ابن فلان كان علي في وقت كذا وكذا فتصدق، استغفر، ذَكَرَك يا رب، دعاك يا رب، فهذه الأرض تُحدث أخبارها يوم القيامة يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا  لم؟ بأن ربك أوحى لها

فالله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، هذه الصخور وهذه الأرض الصماء تنطق يوم القيامة؛ لأنّ الله أمرها بذلك بِأنَّ رَبَّكَ أوحى، وأذن لها، وأمرها أن تتكلم وتحدث عن أخبارها بِأنَّ رَبَّكَ أوحى لَها.

يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا

أي: متفرقين ليروا أعمالهم، فيرى الإنسان عمله إما مكتوبًا في الصحائف، أو يرى جزاء عمله، خيرًا فخير وإن شرًا فشر.

أو أن يراه حقيقة يرى أعماله الطيبة الصالحة، التي كان يراها في الدنيا، والله على كل شيء قدير.

قد يراها بعينه مشاهدة يرى نفسه وهو يصلي، يرى نفسه وهو يتلو القرآن، يرى نفسه وهو يتصدق، يرى نفسه وهو واصل لرحمه.

الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، فقد يراها مشاهدة، حية، كما فعلها في الأيام الخوالي، ويرى البعيد المعصية التي عصى الله سبحانه وتعالى بها يراها مشاهدة ينظر إلى نفسه وهو يمشي برجليه إلى معاصي الله عز وجل، وإلى سخط الله، فيفضح بأعماله وأفعاله السيئة فيشاهدها، ويشهد عليه من يراها ِليُرَوْا أَعْمَالَهُمْ

قال سبحانه وتعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه.

مثقال الذر هو الشيء المتناهي في الصغر، بعض أهل العلم قال: صغار النمل، وقيل: غير ذلك، والحق أنه الشيء المتناهي في الصغر، كل شيء يُحصيه الله سبحانه وتعالى: وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ. هذه الآية سماها ﷺ بالآية الجامعة الفاذة.

وقال ابن مسعود أحكم آية في القرآن: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه.

فهذه الآية تحث أهل الإيمان وتحث من يسمع هذه الآية إلى الإكثار من الطاعة، وإن قلت، وإن صغرت وإن احتقرها الناس اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ، لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْق.

لا تدري ما العمل الصالح الذي يرضى الله سبحانه وتعالى به عليك وان كان عملًا يسيرًا، وإن كان عملًا مما يحتقر من الأعمال اليسيرة، كما قال النبي ﷺ عندما مر على قبر فقال لأصحابه: رَكْعتانِ خَفيفتانِ بِما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ، يعني لا ترونه شيئًا عملًا يسيرًا، ركعتين لا تأخذ من الإنسان إلا دقائق معدودة مما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ يَزيدُهما هذا -يشير إلى قبر- في عملِهِ أحَبُّ إليه من بقيَّةِ دُنياكُمْ، فلا يحقر الإنسان من الأعمال الطيبة الصالحة شيئًا. فإن هذه الأعمال يحصيها ربنا جل جلاله قال سبحانه وتعالى: وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا

فالله سبحانه وتعالى كريم جواد، هذا العمل اليسير يضاعفه.

فقط؟

لا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا على هذا العمل اليسير الذي تعمله، الله سبحانه وتعالى يضاعفه ويؤتيك أجرًا عظيمًا على هذا العمل اليسير.

جاء في الحديث أنّ الله سبحانه وتعالى يُربي الصدقة كما يربي أحدكم فُلوَّه.

هذه الصدقة التي ربما يتصدق الإنسان بها جزء من الريال. ريالات معدودة لا يعدها شيئًا هي تبقى عند الله سبحانه وتعالى، يُنميها الله جل جلاله يربيها سبحانه وتعالى، فلا تحقرن من المعروف شيئًا فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، كلما دعتك نفسك للتثاقل عن الأعمال الصالحة، تذكر هذه الآية، ستُقدم على الطاعة.

قال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه. المعصية، الذنب، لا تحقر منه شيئًا، لا تقل هذا ذنب يسير، هذه معصية سهلة خفيفة، هل يعذبنا الله سبحانه وتعالى بسبب هذا؟

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه.

قال ﷺ: يا عائشةُ إيَّاكِ ومُحقَّراتِ الذُّنوبِ، ما محقرات الذنوب؟ المعصية اليسيرة.  يحتقرها الناس، أمر سهل، ربما يفعلها ولا يتوب ولا يستغفر؛ لأنها أمر يسير إيَّاكُم ومحقَّراتِ الذُّنوبِ فإنَّهنَّ يجتمِعنَ على الرَّجلِ حتَّى يُهلِكنَهُ .

وجاء عن ابن مسعود كذلك إياك ومحقرات الذنوب والنار يُبتدأ بها بصغار الحطب قبل كباره.

فهذه الآية ينبغي للمسلم أن يتذكرها في كل لحظة من حياته فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه . فإذا تذكر هذه الآية قادته للأعمال الطيبة، والأعمال الخيرة، والأعمال الصالحة، وزجرته عن الأعمال السيئة، وعن الشر صغيره وكبير.

جاء في موطأ الإمام مالك رحمه الله وهو من البلاغات عن عائشة رضي الله عنها: أنها تصدقت يومًا بعنبة ثم قالت كم في هذه من مثاقيل الذر؟  فإذا تعامل المسلم مع الأعمال الصالحة، كما قالت عائشة رضي الله عنها، قاده ذلك إلى خيرات كثيرة وإلى حسنات جليلة، يعملها لله سبحانه وتعالى.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *