معاشر المسلمين لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يوحيه اليه ربه من امور الغيب ويطلعه عليها
كان يحدث صحابته رضي الله عنهم بامور من الغيب كاحاديث الانبياء
ما حدث في الامم السابقة مما لم يذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن
وقصه علينا رسول صلى الله عليه وسلم ومن انباء الغيب كذلك التي اخبرنا بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ما يكون في الاخرة من نعيم وعذاب فان الله سبحانه وتعالى اطلعه على امور لم تذكر في القرآن
فحدث بها النبي صلى الله عليه وسلم
ومن ذلك ما اخرجه الامام البخاري رحمه الله تعالى
من طريق هلال بن علي عن عطاء ابن يسار عن ابي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يحدث وعنده رجل من البادية فقال عليه الصلاة والسلام ان رجلا من اهل الجنة ان رجلا من اهل الجنة يشتهي ان يزرع
فيقول لله سبحانه تعالى يا رب اريد ان ازرع فيقول الله سبحانه وتعالى له اولست فيما شئت يعني انت في الجنة بما شئت من النعيم قال اولست فيما شئت? قال بلى ولكني اشتهي ان ازرع
قال النبي صلى الله عليه وسلم فاسرع فبذر
فاسرع وبذر فتبادر الطرف نباته
واستواؤه واستحصاده وتكويره امثال الجبال
تبادر طرف النبات سبق الطرف في الاستواء والحصاد وجمعه وتكويره امثال الجبال في طرفة عين ما المقصود بطرفة عين بطرفة عين اما ان يغمض عينه او بمجرد الوقت الذي تستغرقه العين في النظر الى الفضاء
ما هو الوقت? اذا كنت في فضاء من او في برية
ما الوقت الذي يأخذه الطرف حتى يصل الى منتهاه
الواقع لا شيء
قال فتبادر الطرف نباته
واستحصاده
نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره امثال الجبال
فيقول الله سبحانه وتعالى دونك يا ابن ادم دونك يا ابن ادم يعني خذ يا ابن ادم دونك يا ابن ادم فانه لا يشبعك شيء
قال الاعرابي الذي كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله والله لا تجده يعني يقصد هذا الرجل والله لا تجده الا قرشيا او انصاريا اما نحن فلسنا باصحاب زرع يقصد ان اهل البادية ليسوا باصحاب زرع
فلما قال هذا الاعرابي هذا الكلام ضحك النبي صلى الله عليه وسلم من كلامه
هذا الحديث يا اخوة من احاديث صلى الله عليه وسلم الذي يصور لنا فيها ما في الجنة من النعيم
الله سبحانه وتعالى اعد دار كرامته لاوليائه الصالحين اهل التقوى اهل الاستقامة اهل الايمان لهم نعيما عظيما ذكر شيئا منه وطرفا منه في القرآن الكريم وذكره باسماء تقريبا لاهل الايمان والا فان في الجنة ما لا عين رأت اذن سمعت كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح في الحديث المتفق عليه من حديث ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله لعبادي الصالحون او اعددت لعبادي الصالحين
ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
لو جلس اذكياء الناس
في صعيد واحد وتمنوا واخذوا في التخيل والتصور ما في الجنة من نعيم لا يستطيعون ان يصلون الى ما في الجنة من نعيم ولا خطر على قلب بشر
واقرأوا ان شئتم فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون
فالله سبحانه وتعالى اعد هذه الدار دار الجنة لاولياءه الصالحون
وذكر الله سبحانه وتعالى وشوقنا في القرآن لها
فقال سبحانه وتعالى لهم ما يشاؤون فيها
ولدينا مزيد
وقال سبحانه وتعالى وفيها ما تشتهيه الانفس
وتلذ الاعين وانتم فيها خالدون
هذه الايات الكثيرة التي يصف الله سبحانه وتعالى بها الجنة
يريد الله سبحانه وتعالى ان تتعلق كل القلوب بهذه الدار دار الكرامة
كيف تتعلق القلوب بالجنة? ان يتفكر المسلم بوصف الله سبحانه وتعالى لتلك الجنة
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم لها نحن بامس الحاجة الى ان نتفكر بهذه الايات والاحاديث
لان الدنيا يا اخوة تجذبنا اليها
يصبح الانسان ويمسي وهو يرى هذه الدنيا
ويرى من نعيمها ويرى من اموالها وبهرجها ما يأثر القلب
فيجعل القلب اسيرا لهذه الدنيا تجده يخاصم
ويعادي ويوالي على هذه الدنيا
لماذا? لان الدنيا اصبحت كبيرة في قلبه
لان مادته انما ينظر اليها
تجد كثير من الناس يتأمل فيما اعطاه الله سبحانه وتعالى لفلان من الاموال ومن فتتوق الى نفسه الى ما في ايدي الناس
ولا تتوق نفسه الى ما في يد الله سبحانه وتعالى من خزائن وعطاء وما في الجنة من دار الكرامة
فمتى ما تعلق القلب وصف الله سبحانه وتعالى في الجنة فان العمل بعد ذلك يكون على مقتضى ما يريد الله سبحانه وتعالى ويريد رسوله من السعي الحثيث الى دار دار كرامة الله سبحانه وتعالى وهي الجنة الجنة يا عباد الله نعيم لا بؤس فيه نعيم لا بؤس فيه
جاء في صحيح مسلم من حديث حماد بن سلمة عن البناني عن انس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بانعم اهل الدنيا من اهل النار
فيغمس في النار غمسة ثم يخرج
فيقال له هل نعيما قط قل هل مر بك نعيم قط? فيقول لا والله يا رب ما رأيت نعيما قط وما مر بي نعيم قط
ويؤتى بابئس اهل الارض من اهل الجنة
فيغمس في الجنة غمسة واحدة
فيقال له هل مر بك بؤس قط? هل مر بك شدة قط? فيقول لا والله يا رب
ما ما مر بي بؤس قط
وما مر بي شدة قط
غمسة واحدة فكيف بالعيش والخلود في دار كرامة الله عز وجل? وجاء في صحيح مسلم كذلك من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال الله صلى الله عليه وسلم ان اهل الجنة في نعيم لا بؤس فيه
لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابه لمثل هذا يا عباد الله فليعمل العاملون
من فوائد هذا الحديث معاشر المؤمنين ان في الجنة كل ما يشتهيه الانسان حتى وان كان من امور اذا اشتهاه في الاخرة فان الله سبحانه وتعالى يؤتيه ويعطيه وله ما تشتهيه نفسه حتى وان كان من شؤون الدنيا فان الزرع يا عباد الله كما تعلمون انما هو من شؤون الدنيا فان الجنة دار نعيم لا شقاء فيها ولا نصب ولا عمل وانما يتنعم الانسان لكن الله سبحانه وتعالى يكرم اولياءه بان يعطيهم كل ما انفسهم حتى وان كان ليس من طبيعة الجنة او من شأنها
وانما تتوق نفسه لاعمال كانت محببة له في دار الدنيا تشتهيها نفسه في الاخرة فيعطيها الله سبحانه وتعالى عباده واهل كرامته
من فوائد هذا الحديث يا عباد الله علو اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وكريم خصاله
النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحك مع اصحابه لم يكن عليه الصلاة والسلام يتكلف الوقار ويتصنعه ويتصنع الخشوع وانما هو على سجيته عليه الصلاة والسلام يضحك اذا جيء بكلام يستوجب الضحك وكان ضحكه عليه الصلاة والسلام
تبسما بابي هو وامي فلم يكن متكلفا عليه الصلاة والسلام حتى وهو يسوق هذا الحديث من احاديث الاخرة وصفة الجنة
يقول هذا الاعراب كلاما يبين فيه ما هو من شأن القرشيين او الانصار فيضحك عليه الصلاة والسلام
ومن فوائد هذا الحديث جواز ان يذكر انسان بما عرف به بما عرف به من عمل او غيره اذا لم يكن على وجه من الاحتقار والاستهزاء وان كان او لا يكون مما ان ينسب اليه فان كان على سبيل الاحتقار او الاستهزاء او ان هذا الانسان او هؤلاء الطائفة من الناس القوم اهل بلد اهل قبيلة يكرهون ان ينسب اليهم هذه الصفة فانه لا يجوز ويدخل في الغيبة وان غيبة رجل واحد اهون من ان يغتاب الانسان اهل بلد كامل او طائفة كاملة او قبيلة كاملة كأن يقول ان هؤلاء فيهم كذا وكذا من صفات الذم فان هذا قد ظلم نفسه تحمل معاص كثيرة وظلم هذا وظلم اهل هذا البلد او هذه القبيلة بان يصفهم بان يصفهم بهذا الوصف لانه لو تحقق هذا الوصف في احادهم او طائفة لكنه لا يتحقق في جميعهم
والناس يتفاوتون في ما يتخلقون به وفي اعمالهم
ومن فوائد هذا الحديث ان من نعيم الجنة ان اهل الجنة فيما هم فيه من النعيم يزاد عليهم النظر الى وجه الله الكريم جل جلاله للذين احسنوا الحسنى وزيادة الزيادة النظر الى وجه الله عز وجل وجوه يومئذ ناظرة الى ربها ناظرة تنظر الى الله سبحانه وتعالى وفي الحديث المتفق عليه انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر هل تضامون في رؤيته? وكذلك من نعيم اهل الجنة ان الله جل جلاله يكلمهم كما في هذا الحديث
الله سبحانه وتعالى كلم صاحب الزرع الذي يريد ان يزرع كلمه الله سبحانه وتعالى وتحاور معه فيقول اولست فيما شئت? والله سبحانه تعالى يكلم اولياءه ويتحدث معهم بوب البخاري رحمه الله تعالى على هذا الحديث وقد اخرجه في مواطن بوب عليه في احد هذين الموطنين قال باب كلام الرب مع اهل الجنة نسأل الله من فضله العظيم وان يجعلنا واياكم من ورثة جنة النعيم ومن ورثة الفردوس الاعلى
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم
اقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو