قضاء حوائج الناس
لقد فاضل الله سبحانه وتعالى بين العباد، في الشرف والجهل والعلم والعمل والعبادة، لحكم عظيمة أرادها الله سبحانه وتعالى، قال الله وجل الله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ .
ويقول الله سبحانه وتعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ .
ويقول الله سبحانه وتعالى: انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا .
في شكوى الفقير ابتلاء للغني، وفي انكسار الفقير امتحان للقوي، وفي توجع المريض حكمة للصحيح، ولهذه السنة الكونية -ألا وهي التفاوت بين الناس- سنة شرعية، وهي التعاون على البر والتقوى، والسعي في نفع الناس، وكشف كربهم وإعانتهم، فإن ديننا -يا عباد الله- قائم على أصلين عظيمين:
الأصل الأول: هو التذلل لله سبحانه وتعالى بالعبادة.
والأصل الثاني: الإحسان إلى خلقه بالمعاملة ولذلك؛ فإن الله سبحانه وتعالى قصَّ علينا من أنباء وأخبار الأنبياء، مع ما في سيرهم من مواقف عظيمة، وخصالً شريفة، مما قصّه الله سبحانه وتعالى في شأن الأنبياء أنهم كانوا ينفعون عباد الله، ويسعون في خدمتهم، فالله سبحانه وتعالى بين لنا من قصة يوسف عليه السلام أنه لما مكنه الله سبحانه وتعالى فطلب أن يكون على خزائن الأرض: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ .
سعى في نفع عباد الله سبحانه وتعالى، ومعاونتهم في أرزاقهم وفي معايشهم وفي دنياهم، حتى لما جاؤوا إخوته -وقد كان منهم ما كان- جهزهم بجهازهم ولم يبخسهم شيئًا.
والله سبحانه وتعالى قص من نبأ موسى أنه لما أقبل على مدين: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .
نبي من أنبياء الله يذكر الله سبحانه وتعالى في أشرف كتاب يذكر موقفه في السقيا لامرأتين، في نفع الناس.
نبينا صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه هذا الوحي العظيم خاف على نفسه وذهب إلى خديجة رضي الله عنها وقال: لقد خشيت على نفسي. قالت له خديجة: كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ”.
استدلت بهذه الخصال العظيمة أن الله سبحانه وتعالى لا يخزيه ولا يخذله.
كان رسولنا صلى الله عليه وسلم -كما يقول جابر بن عبد الله-: ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ، فَقالَ: لَا. متفق عليه.
قال جابر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، -إذا كانوا في سفر يتخلف عليه الصلاة والسلام في المسير يعني يكون في آخر الركب- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ فَيُزْجِي الضَّعِيفَ، وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُمْ. كان يتأخر عليه الصلاة والسلام فإذا رأى راكبًا ناقته ضعيفة ساقها فقدّمها، ومن لم يكن له دابة تحمله يردفه عليه الصلاة والسلام، ويدعو لهم. أخرجه أبو داود والحاكم.
يقول أنس رضي الله عنه: إنْ كَانَتِ الأمَةُ مِن إمَاءِ أهْلِ المَدِينَةِ، امرأة رقيقة لا تملك شيء من الدنيا حتى نفسها لا تملكها، هي سلعة تباع وتشترى أمة، إنْ كَانَتِ الأمَةُ مِن إمَاءِ أهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بيَدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَتَنْطَلِقُ به حَيْثُ شَاءَتْ. أخرجه البخاري.
سألَ الأسود بن يزيد أو سُئلت عائشة عنده، فقال: سئلت عائشة ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ فقالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ –يعْنِي في خِدْمَةَ أهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ. أخرجه البخاري.
عن أبي رفاعه تميم بن أُسيد رضي الله عنه قال: انْتَهَيْتُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يَخْطُبُ -أي يخطب الجمعة-، قالَ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ -يقصد نفسه-، جَاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ، لا يَدْرِي ما دِينُهُ؟ -ماذا صنع عليه الصلاة والسلام؟- قالَ: “فأقْبَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ -نزل من المنبر عليه الصلاة والسلام، وذهب إلى تميم بن أسيد- قال: حتَّى انْتَهَى إلَيَّ، فَأُتِيَ بكُرْسِيٍّ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي ممَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فأتَمَّ آخِرَهَا. أخرجه مسلم.
كان رسولنا وقدوتنا وقرة أعيننا عليه الصلاة والسلام يسعى في خدمة الناس سعيًا شديدًا، وهو في عون عباد الله عز وجل، وإن التعاون مع الناس، والسعي في خدمتهم، وفي حوائجهم وقضائها لهم، وتثبيتها لهم، لدليل طيب الأصل وحسن التربية ونقاء السريرة وطهارة القلب والتواضع، ولذلك رتب الله سبحانه وتعالى أجرًا عظيمًا عظيمًا على من كانت هذه صفته، من كان محبا للناس، يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ينصح لعباد الله، هذه صفة يحبها الله، ويرضى عن أصحابها.
يا عبد الله هل تريد أن يكون الله جل جلاله في حاجتك؟ كل منا عنده حوائج، وحوائج كثيرة تريد أن يكون الله، الله جل الله في حاجتك؟ و”مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ”.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .