ليس منَّا من خبَّبَ امرأة على زوجها
التَّخبِيب هو السَّعي في الإفساد والخداع بين الناس، وإنّ أعظمه وأشده السَّعي في الخداع والإفساد بين الرجل وامرأتَه.
أخرج الإمام أحمد وأبو داود -وهو أول حديث أخرجه في كتاب الطلاق- من حديث عكرمة عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ليسَ منَّا من خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها أو عبدًا علَى سيِّدِه.
وفي الباب عن بريدة بن الحصيب، وعن عبد الله بن عمر، وعن عبد الله ابن عباس جميعهم بلفظ: ليس منَّا، -ولم يرد اللعن وإن ذكره الذهبي في الكبائر ولكن لا يعرف له إسناد-.
ليس منَّا وعيد شديد، هو ليس من هدي المسلمين، ولا من طريقتهم، ولا من أفعالهم، أن يُسعى بالإفساد والخديعة بين الرجل وزوجته.
عباد الله…المخبِّب مُشابه لعمل الشياطين، هو ارتضى لنفسه أن يكون رسولًا من لدنْ إبليس، وظَّفه إبليس لديه، أخرج الإمام مسلم من طريق الأعمش عن أبي سفيان طَلعَة بن نافع عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ.
قال الأعمش: أراه قال: فيلتَزمَه.
إبليس يَلتزم ويَضم هذا الجندي من جنوده، لم؟ لأنّه فرَّق بين الرجل وبين زوجته، يقول له: نعم أنت.
هذا المخبِّب هو مُتشبه بأعمال السحرة، قال الله سبحانه وتعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أخصّ أعمال السحرة وأولها ذكرًا فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ الآية.
فالتَّخبيب معصية عظيمة وإفساد عريض، ولذا قال نبينا ﷺ: ليس منا، وهذا وعيد شديد وبعض أهل العلم كالامام أحمد وغيره يقولون: مثل هذه الألفاظ لا تُفسر.
ظاهر اللفظ “ليس منا” يعني ليس من المسلمين، دينهم مختلف عن دين المسلمين، ولكن الظاهر ليس مراد.
الإمام أحمد وبعض الأئمة يقولون: مثل هذه النصوص يراد بها الزجر والتخويف، ولذلك لا تُفسر، تُترك كما هي، حتى ينزجر السامع لها ويَخشى على نفسه، فهي معصية عظيمة لله سبحانه وتعالى.
عباد الله، ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى: إلى الزوجين، يا من مَنّ الله سبحانه وتعالى عليه بهذه النعمة العظيمة، نعمة الزواج، هي نعمة من الله سبحانه وتعالى، امتن الله سبحانه وتعالى بها على عباده، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
فليتقِ كل واحد من الزوجين ربه في صاحبه، وليعاملَه معاملة حسنى، يُعاشره بالمعروف، يُكرمه، فإن الأقربون أولى بالمعروف.
ليقطعَ سبيل الشيطان، وسبيل المفسدين في الأرض، أن يُفسد عليه بيته، فيُكرم الرجل زوجته بالنفقة عليها والسكنى، والمعاملة الطيبة، والقول الحسن، وليكن قدوتُه في ذلك محمد ﷺ، خير الخلق، وأفضل الخلق، والله سبحانه وتعالى يقول: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، له كرامة عند الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك النبي ﷺ في بيته في غاية التواضع، وكان في خدمة أهله عليه الصلاة والسلام، في بيته في خدمة أهله، وربما خاصمته نساؤه عليه الصلاة والسلام، ويعفو، ويصفح، ويتجاوز، ويقول لعائشة: إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ. فيراعيها النبي صلى الله عليه وسلم ويُحسن إليها وهكذا بقية زوجاته عليه الصلاة والسلام، ولم يكن يترفع عليهن.
والكريم لا يستوفي حقه أبدًا، ما استوفى كريم قط، وليس المقصود بالكرم فقط المال، حتى في الحقوق، فيُؤدي الزوج حقوقه، ويأخذ ما تيسر من حقوق، من واجبات له، ويعفو عن التقصير، وعن الزلل، قال الله سبحانه وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا.
فأمرنا بهذا، وكذلك النساء، الزوجات، ينبغي عليهن أن يعلمن حقوق الزوج، وهو القيم عليها.
الله سبحانه وتعالى يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. ولتعلم أنه طريقها إلى الجنة أو النار.
والنصوص في حق الزوج عظيمة وكثيرة، فينبغي للمرأة العاقلة أن تَعرف حق زوجها عليها، ولا تسمع لهؤلاء الذين يُخببون، ويَنعقون، ويقولون ما الفرق بينكِ وبين الرجل، وأنت وإياه بمقام واحد؟!
والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، يَدعُونها أن تكون بمقام الرجل! ولها من الحقوق ما للرجل! ويخببونها على زوجها؛ ليفسدوا هذه البيوت، بيوت المسلمين القائمة على الستر، وعلى المعروف، وعلى الخير. يُغيظهم هذا، فيدْعون النساء إلى التمرد، وإلى النشوز، وإلى التّكبر على الزوج، وعلى الأبناء، وعلى طاعة الزوج.
فينبغي للمرأة أن تكون عاقلة، وألا تَسعى لإفساد بيتها بنفسها.
رسالة أخرى: إلى المخبّب الذي يقصد التَّخبيب؛ لما كان في قلبه من حقد وغل، سواء كان رجلًا أو امرأة.
بعض الناس يسوؤه إذا رأى بيوتًا قائمةً على المحبة والرحمة والود أو الستر، فيسعى في التخبِيب، فيأتي الزوجة ويفسدها على زوجها، وقد يكون قريبًا، قد تكون أخت الزوجة أو أخًا أو أمًا أو أبًا أو جارةً أو نحو ذلك.
فإلى هذا المخبّب الذي يقصد التَّخبيب، نقول له: اتق الله، وأعلم أن من أعظم العقوبات التي يُعجل الله عقابها في الدنيا قبل الآخرة هو البغي، وإنّ من أعظم البغي هو التَّخبيب.
جاء في الحديث عن النّبي ﷺ من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله ﷺ: “ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل اللهُ تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يدِّخر له في الآخرةِ مثل البغيِ وقطيعةِ الرحمِ”، هذين الذنبين عقوبتهما تُعجل في الدنيا.
البغي: المعصية التي فيها تَعد على الآخرين، ظلم للآخرين وقطيعة الرحم. تُعجل العقوبة في الدنيا، وعلى الباغي تدور الدوائر، وعلى الباغي تدور الدوائر.
الرسالة الثالثة: لمن يُخبب دون قصد، كما يقال بطيبة، والأصح أن يقال بسذاجة وحمق، يقول كلامًا ربما سكنَ في قلب المرأة، فكرهت زوجها وكرهت وضعها، يقول كلامًا من المقارنات ونحو ذلك ويُفسد على الناس معيشتهم.
يقال لمثل هؤلاء: مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، لِيَسعك السكوت.
رأيت أمرًا لم يعجبك، وهذا الزوج وهذه الزوجة قد رضيا بهذا، لما تُخبب بينهما؟ لما تقول كلامًا مؤذي لصاحبك؟
النبي ﷺ يقول: من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ، كثير من الكلام في المجالس يقوله الإنسان ربما على سبيل الطرفة، أو على سبيل قطع هذه المجالس، يُفسد بين الزوج وزوجه، يُفسد بيوتًا بسبب هذا الكلام، تأتي ربما أخت الزوجة فتقول لم لا يُعطيكِ كذا؟ لم يَفعل لكِ كذا؟ لم تُسافروا هذه السنة! لم يُجدد لكم البيت! لم يُجد لكم الأثاث! فتَسكُن هذه الكلمة في قلب هذه المرأة المسكينة، فتسعى إلى إفساد بيتها.
فينبغي أن يُحرص -يا عباد الله- على المنطق، وأن يكون مَنطِق الإنسان يَحكمه العقل والحكمة، ولا يقول كلامًا ربما يُفسد من ورائِه بيوتًا وهو لا يشعر.