“علمني دعاءً”

  أخي المسلم حديث عظيم من أحاديث رسول الله ﷺ،  استمعه فلعل سعادتك فيه، ومغفرة ذنبك ورحمة الله تنزل عليك بإدمان هذا الحديث، وإدمان هذا الدعاء وكثرة الدعاء به.

  هذا دعاء علمه نبي إلى صديق هذه الأمة، جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصِّدِّيقُ   قال: قلت: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي. وفي لفظ عند مسلم: وفي بيتي. فقال:  قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً، وفي رواية: اللهم إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كبيراً ولا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، وفي رواية: وإنه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

  هذا الدعاء العظيم الذي علمه رسولنا لصديق هذه الأمة أبي بكر الصِّدِّيقُ .

  في هذا الحديث مسائل عدة أولى هذه المسائل:

  حرص الصِّدِّيقُ أن يسأل عما فيه صلاح دينه ودنياه، فإن الصِّدِّيقُ والصحابة من بعده كانوا أحرص الناس على الخير، وإنما كانوا يسألون عما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم، ليس الشأن عند بعض الناس إنما يكثر سؤاله عن أشياء قد لا يكون فيها نفعاً له ولا ضرر، وتجد بعض الناس يقضي أيام عمره ليله ونهاره في السؤال والكلام والبحث والاطلاع والمتابعة، لأشياء لا تنفعه لا في دين ولا في دنيا، والنبي  يقول: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

  فاحرص -يا عبد الله- على ما يُعنيك في شأن دينك ودنياك هذا أبو بكر يَسأل عن دعاء يدعو به في صلاته أو في بيته ، أسئلتهم كانت لهدف لغرض أن يعملوا بهذا العلم، لا أن يستكثر من حجج الله عليه.

  كم نعلم وكم نعرف من الأحاديث؟ وكم نعرف من الأدعية؟ ما حالنا مع هذه الأحاديث التي نعرفها، وهذه الآيات التي نتلوها.

الصحابة  يُعلموننا أنهم كانوا يتعلمون العلم ليعملوا به.

  من مسائل هذا الحديث: قول النبي  في الدعاء: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، هذا يقوله لمن؟ لصديق هذه الأمة لو وزن إيمانه بإيمان الأمة، لوزِن إيمان الأمة.

  لقد نزلت آيات كثيرة في شأن أبي بكر الصِّدِّيقُ منها قول الله : وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ، ومنها قول الله فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ يعني على أبي بكر والنبي يقول: لو كنتُ متخذًا خليلًا من أهلِ الأرضِ لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلًا، أبو بكر الصِّدِّيقُ يعلمه رسولنا أن يقول: قل اللهم إني ظلمت نفسي كثيراً .

  إذا كان أبو بكر الصِّدِّيقُ   قد ظلم نفسه ظلماً كثيراً فما بالنا نحن الضعفاء المخلطين المقصرين المذنبين؟ فكم ظلمنا أنفسنا؟ بتقصيرنا في الواجبات، وفي فِعل ما نُهينا عنه.

  وإن الاعتراف بظلم العبد لنفسه باب من أبواب الذل، والخضوع، والانكسار لله ، يحبه الله جل جلاله.

  إنّ الله   يحب المتذللين له المنكسرين بين يديه المقرين المعترفين بذنوبهم وبظلمهم لأنفسهم.

  أرأيتم يا عباد الله لما عصى آدم ربه فغوى تلقى من الله   كلمات فتاب عليه قال الله : فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .  ما هن الكلمات؟ قال الله في سورة الأعراف: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. الاعتراف بظلم النفس، وهذا كليم الله موسى لما فعل ما فعل من قتل القبطي قال: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ، فإن الاعتراف بالذنوب أُولى درجات مغفرة الذنوب.

قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً (ظلما كبيراً) ولا يغفر الذنوب إلا أنت.

  وهذا وحدانية لله  يعرف العبد أنّ الذنوب لا يغفرها إلا الله  قال الله : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، فلا يغفر الذنوب إلا الله .

فاغفر لي مغفرة من عندك  دعاء بالمغفرة من عند الله ، وكل شيء من عند الله عظيم، فالمغفرة من عند الله مغفرة عظيمة، هذا يحتمل في معنى هذه اللفظة، والاحتمال الآخر فاغفر لي مغفرة من عندك، يعني بلا سبب مني وإنما هو تفضل منك يا الله، ومنة منك يا الله، ورحمة منك يا الله، فأنا العبد المذنب الظالم لنفسه، لا أستحق هذه المغفرة، ولكنها مغفرة من عندك، تتفضل بها على عبدك.

فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ، وهذا توسل بأسماء الله، باسم الله  (الغفور الرحيم)، هذين الاسمين العظيمين من أسماء الله (الغفور الرحيم) الذي أُمر نبينا  أن يُنبئ العباد بهما قال الله في سورة الحجر نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

  فاعلموا يا عباد الله أنّ ربنا  (غفور رحيم)، من أسمائه: الغفور والغفار، ومن أسمائه: الرحمن الرحيم.

  إنّ المسلم إذا أراد أن يتعرف على الله   فيقرأ كلامه جل جلاله، فإنّ الله أول ما يُعرف العباد بنفسه، بأي أسماء؟ يقول العبد إذا قرأ القرآن بسم الله الرحمن الرحيم  لم يكن افتتاح هذا الكتاب العزيز بسم الله العزيز الجبار، بسم الله الجبار المتكبر، وكلها من أسماء الله الله   يُعرف عباده، يُعرف نفسه لعباده بأنه الرحمن الرحيم.

  فتعرضوا لرحمة الله ​​​​​​​ بالإكثار من الأعمال الصالحة والابتعاد عما حرم الله عما حرم الله ، وبكثرة الاستغفار لله طوبى يا عباد الله، طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا كما قالت عائشة رضي الله عنها، ويروى مرفوعاً “طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا”.

  ومن أعظم الاستغفار، ومن أعظم صيغ الاستغفار ما علَّمه رسولنا لصديق هذه الأمة: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

  ومن مسائل هذا الحديث واختم بها: متى يقال هذا الذكر؟ في الصلاة وفي غيرها، في البيت، فهؤلاء ذكر مطلق يقوله العبد في كل أحوال.

  وأما في الصلاة، فقد بوب الإمام البخاري على هذا الحديث (باب الدعاء قبل السلام)، فمن مواطن هذا الدعاء أن يُدعى به بعد أن يَتشهد ويُصلي على النبي ويستعيذ من الاستعاذات الأربع التي علمنا إياها رسولنا ثم ليَتخير من الدعاء أعجبه إليه، وهذا الدعاء من الأدعية التي يُدعى بها في هذا الموطن.

  وكذلك من المواطن التي يُدعى بها في الصلاة: في السجود، فإنّ العبد يكون قريباً من ربه، فإنّ العبد يكون أقرب ما يكون في السجود، فأكثروا فيه من الدعاء فَقمِنٌ أن يُستجاب لكم.

  فأكثروا -يا عباد الله- من هذا الدعاء، لعل العبد يوافق من ربه ساعة إجابة فتتحقق له سعادة الدنيا والآخرة، بمغفرة الذنوب ورحمة الله .

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *