حديث نبوي، هو قاعدة في السعادة، قال عنه الإمام ابن جرير الطبري: “هذا حديث جامع لمعاني الخير”. وقال عنه ابن الجوزي: “هذا من أحسن الأدب وبه يطيب العيش”.
قال عنه الزين العراقي -رحمه الله تعالى-: وهذا أدب حسن، أدبنا به نبينا ﷺ وبه مصلحة ديننا ودنيانا وعقولنا وأبداننا، وراحةِ قلوبنا، فجزاه الله خيرًا عن نصيحته خير ما جزى نبيًا. انتهى كلامه رحمه الله.
هذا الحديث الذي هو قاعدة من قواعد السعادة، هو ما أخرجه الإمام مسلم: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ اُنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
وجاء عند الترمذي من حديث عبد الله بن المبارك عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن جده عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ اللهُ شَاكِرًا صَابِرًا ، وَمَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا، مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ، وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ، كَتَبَهُ اللهُ شَاكِرًا وَصَابِرًا ، وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا الحديث، وفي سنده مقال، ولكنه شارح لحديث الصحيحين.
هذه القاعدة النبوية متى ما طبقها المسلم، كان في ازدياد في أمر آخرته، وفيما يقربه من الله ، وفي مرضاة الله يترقى في الكمالات وهو كذلك لا يتحسر على الدنيا، فيرتاح قلبه ويهنأ بعيشه.
فالموفق من نظر في أمر دينه إلى من كان سابقًا في الخيرات، نظر إلى أهل المساجد وأهل الصلوات، والصدقة، والصيام، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، فيقتدي بهم، فهو دائمًا في ازدياد في أمر الآخرة.
وأما في شأن الدنيا فإنّه ينظر إلى من هو أقل منه، لئلا يزدري نعمة الله، يعني: يجحد نعمة الله ويحتقرها.
وهذا قد وقع به كثيرٌ من أهل الإسلام، المجالس تضج، انظروا إلى فلان وفلان. ربما رجل يتحسر على وضعه يقول: ليس عندنا شيء من هذه الدنيا، والله سبحانه وتعالى قد ملكه منزلًا، والله وهبه زوجة، وأولادًا، وصحة، لا يرى هذا شيئًا، لا يرى شيئًا. يزدري نعمة الله يجحدها، لماذا؟ لأنه نَظر إلى من هو فوقه، ولو نَظر إلى من هو دونه، لعلِم النعم التي هو فيها، ثم إن النعم:
نعمة المال، كم ممن أوتي من المال مالًا ممدودًا لكن ابتُلي في جسده، لديه من الأمراض ما الله به عليم، لديه من الهموم ما الله به عليم.
فالله سبحانه وتعالى عليم حكيم، والواجب على المسلم أن يرضى بما قسمه الله له، فهو خير له.
الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وله في ذلك حكمة عظيمة ، فمن الناس ما لا يصلحه إلا الغنى ولو افتقر لفسد، ومن الناس ما لا يصلحه إلا الفقر ولو اغتنى لفسد، فالله عليم حكيم، ونعمه بعد ذلك تترى على العباد.
نعم الله سبحانه وتعالى كثيرة ولا ينبغني للمسلم أن ينظر إلى من فُضل عليه في الدنيا فيحتقر نعمة الله عليه ويزدريها، ومن ازدرى نعمة االله واحتقر نعمة الله التي أنعم الله بها عليه هل يأمن أن الله يسلب عنه هذه النعمة؟
هذه النعمة التي هو يَتقالُها، نعمة العافية في البدن، الأمن، المسكن، الزوجة، الأبناء، هذا الرخاء الذي نعيش فيه.
هل تأمن أن الله يَسلب العبد في لحظة، هذه النعمة التي هو قد غرق بها.
شُرع لنا -يا عباد الله- زيارة المرضى حتى تَعلم ما فضلك الله به من هذه النعمة، نعمة العافية، زيارة واحدة إلى مستشفيات النقاهة ستقلب الموازين لديك وتختلف نظرتك للدنيا، مستشفيات النقاهة هؤلاء الذين عجز البشر أن يجدوا لهم علاجًا حالات كما تسمى قد يأس البشر منها، ليس للبشر عندهم لهؤلاء علاج، والله على كل شيء قدير.
أحد من يسكن مستشفيات النقاهة يقول بلسانه وأنا أسمع، يقول: أنتم تنظرون إلينا كأننا من كوكب آخر، أنا قبل سنوات معدودة كنت مثلكم تمامًا ذا مال، ووظيفة، وبيت، وزوجة، وأولاد، في لحظة واحدة، خرجت بالسيارة قدر الله علي حادثًا أصبت بشلل تام لما خرجت من المستشفى رجعت للبيت أيامًا معدودات وجدت الزوجة تغيرت أخلاقها، تغيرت أخلاقها علي، صبرت شهر والشهر الآخر قالت أنا لا أتحمل هذا، طلبت الطلاق وذهبت إلى أهلها وذهب أبناؤها معها وبقيت وحدي، فلم أجد بدًا أن أذهب إلى مثل هذه الأماكن، مستشفيات النقاهة.
في لحظة… في لحظة…وهو خير له.
المؤمن ما يصيبه شيء إلا خير له، ولكن نعم الله -يا عباد الله- علينا تترى، كثيرة، يجب على المسلم أن يخاف ويحذر من زوالها.
والآن بيوت الناس فتحت وأحوالهم ظهرت من خلال هذه الوسائل، وسائل التواصل الاجتماعي فيدخل الإنسان وينظر إلى من ربما يتمتع ظاهرًا، أو ربما يتظاهر بأنه ذا مال ونعمة، أيا كان لا يختلف هذا الأمر، فتذهب نفسه حسرات، لا سيما من خفاف العقل، وبعض النساء.
فالواجب على المسلم أن يتذكر، أن نعمة الله عليه عظيمة، وإذا نظر إلى ما يعجبه من شؤون الدنيا يرجع وينظر إلى من ابتلوا في أموالهم ومن ابتلوا في أبدانهم ومن ابتلوا في أولادهم، فيحمد الله ولا يزدري نعمة الله عليه.