رَوى الإمام أحمد والحاكم عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر ابن الخطاب أنه قال لأصحابه: تمَنَّوْا»، فقالَ بَعضُهم: أتمَنّى لو أنَّ هذه الدّارَ مَمْلوءةٌ ذَهبًا أُنفِقُه في سَبيلِ اللهِ، قالَ: ثمَّ قالَ: تمَنَّوْا، فقالَ رَجلٌ: أتمَنّى لو أنَّها مَمْلوءةٌ لُؤْلؤًا وزَبَرجَدًا وجَوْهرًا فأُنفِقُه في سَبيلِ اللهِ وأتصَدَّقُ، ثمَّ قالَ عُمَرُ: «تمَنَّوْا» فقالوا: ما نَدْري يا أميرَ المُؤمِنينَ، -كأنهم لم يعرفوا ما يريد عمر- فقالَ عُمَرُ: «أتمَنّى لو أنَّها مَمْلوءةٌ رِجالًا مِثلَ أبي عُبَيدةَ بنِ الجرّاحِ، ومُعاذِ بنِ جَبلٍ، وسالِمٍ مَوْلى أبي حُذَيفةَ، وحُذَيفةَ بنِ اليَمانِ.
هذا عمر الملهم لم يتمنى الذهب لينفقه في سبيل الله، ولا أصناف الأموال، وإنما تمنى رجالاً يقيم الله بهم الدين وينشر بهم سنة خير المرسلين.
هؤلاء الرجال الذين تمناهم عمر هم الذين قاموا ونشروا دين الله فبلغوا الآفاق بكتاب الله .
ذكرت الرجولة في مواطن كثيرة، ومن أخص سمات الرجولة في كتاب الله عز وجل التي أثنى الله على أصحابها وامتدحهم في القرآن:
من هذه الصفات أن هؤلاء الرجال هم أصحاب مساجد قال الله : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَلَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ وقال الله سبحانه وتعالى في سورة النور فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ من الصفات التي ذكرت للرجال في القران أنهم:
أصحاب قوامة قال الله : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فمن صفات الرجولة القيام على النساء بما يصلح شؤنهن برعاية مصالحهن والنفقة عليهن، وإرشادهن، وتأديبهن، وحثهن على الخير حثًا، وقصرهن عن الشر قصرًا، هذه من صفات الرجولة وأنهم أصحاب نفقة فهو ينفق من ماله من حر ماله.
من صفات الرجولة التي ذكرت في القرآن وسماتها: أنهم أصحاب دعوة لله ومناصرة للدين وللحق ولأهل الدين والحق، قال الله : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ في ثلاث مواطن في الكتاب العزيز في سورة يوسف، والنحل، والأنبياء، وصفهم بأنهم رجال قال في سورة يس: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، وقال في سورة القصص: وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ وقال تعالى في سورة غافر: وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ
وقال الله في سورة المائدة: قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَٰلِبُونَ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.
ومن أخص سمات الرجولة وصفاتها التي ذكرها الله في كتابه العزيز: أنهم أهل صدق مع الله ، هم صادقون مع الله، ثابتون على دين الله حتى تقبض أرواحهم وهم مستمسكون بهذا الدين، محافظون على إسلامهم، إيمانهم.
قال الله في سورة الأحزاب: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا، فهم أهل صدق مع الله سبحانه وتعالى عاهدوا الله على الإيمان وعلى الإسلام، وعلى القيام بشرع الله والتمسك به، وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فهم باقون على هذا العهد صادقون مع الله ثابتون على دينهم حتى الممات.
جعلنا الله وإياكم من هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.