ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِه

                                                                                           (الله لطيف بعباده)

   آية في كتاب الله قيل عنها أنها أرجى آية في كتاب الله.

  قال الله : ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ‌ۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ ١٩ [الشُّورَى]، الله جل جلاله لطيف بعباده الصالح والطالح، المؤمن والكافر، البر والفاجر، يرزق من يشاء.

   ألم تر أنّ الله سبحانه وتعالى يُغذي ويرزق ويمد أعدائه والكافرين به والجاحدين له؟!

   أعمالهم القبيحة السيئة تصعد إلى السماء، والله سبحانه وتعالى يُنزل عليهم رزقه وقوته ويَلطُف بهم، وهذا من لطفه العام.

   أما أولياؤه المؤمنون وأصفياؤه المتقون فهو جل جلاله يلطف بهم فيسوق لهم الخير من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون.

   يسوق لهم الأرزاق من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون.

   يسوق لهم ما فيه خيرهم وصلاحهم، ومنفعتهم في الدنيا والآخرة.

   يسوق لهم الإيمان والإسلام.

   أرأيت هذا الدين الذي في قلبك؟ هذا التوحيد الذي تموت من دونه، من الذي هداك إليه؟ من الذي دلك عليه؟ هو اللطيف الخبير ساق إليك هذا الإيمان وهذا الإسلام.

   من الذي جعلك مصليًا؟

   هناك فئام من الناس لا يعرفون للمسجد طريقًا، هناك فِئامٌ من الناس لم ينالوا شرف السجود بين يدي الله ​​​​​​​، والتذلل بين يديه، من الذي دلك عليه أنت وصرف غيرك عنه؟ إنّه الله   اللطيف.

   لطف بك فجعلك مسلمًا، لطف بك وجعلك مؤمنًا، جعلك مصليًا، جعلك صائمًا، مزكيًا، طائعًا لله عز وجل، فالله   من لطفه بأهل الايمان أنّه يسوق إليهم هذه النعم العظيمة.

   وأشرف النعم: نعم الله عز وجل الدينية. قال الله   وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُ [إِبۡرَاهِيم]، وفي قراءة وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلٍ مَا سَأَلۡتُمُوهُ، يعني ساق إليك النعم ولطف بك قبل أن تسأله وتدعوه بها.

   أرأيت أخي المسلم هل دعوت الله   في أول أمرك أن يجعلك مسلمًا؟ أخرجك الله سبحانه وتعالى من أبوين مسلمين علماك هذا الدين، هذا من لطف الله .

   هناك فئام لا يعرفون الإسلام، لم سمعوا بكلمة التوحيد، لم يسمعوا بالله .

   من لطف الله عز وجل بنا -يا عباد الله- أنّه يصرف عنا من المصائب ومن المؤذيات والمكروهات ما لا ندري عنه. يُصرف عنا الشر ونحن لا ندري.

   قد يُقدر الله سبحانه وتعالى على عبد من عباده أن تنزل به مصيبة فيصرفها الله عنه بدعوة دعاها، باستغفار استغفره، بتسبيحه، بتحميده، بدعاء والد، بدعاء والدة، بصلة رحم، بإعانة مسكين، بكفالة يتيم، يَصرف الله   من السوء عن عباده أموراً لا يدرون عنها،  قال الله : لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ [الرَّعۡد]، فالله سبحانه وتعالى حفيظ يحفظ عباده المؤمنين، يحفظ عليهم دينهم، يحفظ عليهم أبدانهم، يحفظ عليهم أموالهم، يحفظ عليهم أولادهم.

   من آثار لطف الله سبحانه وتعالى بعبده أن الله سبحانه وتعالى إذا قدر على العبد مصيبة تنزل به هو يكرهها، من الذي يحب المصائب! من الذي يحب المكروهات! ولا يريد أن تنزل به فإذا نزلت علم أنّها من الله، هدأ قلبه، اطمأنت نفسه، انشرح قلبه، قرت عينه؛ لأنها من الله حتى وإن كانت مصيبة؟ حتى وإن كانت مصيبة. حتى وإن كانت مكروهة لديه؟ حتى وإن كانت مكروهة لديه. لأنه يتذكر قول الله سبحانه وتعالى: فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا [النِّسَاء]  وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ‌ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡ‌ۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٢١٦ [البَقَرَةِ].

   حتى ما نزل بأهل الإيمان من المصائب، الأمراض، الأوجاع، موت حبيب، خسارة مال، قل ما شئت من المؤذيات والمصائب، إذا علمت أنها بتقدير الله سكنت النفس، وعلم المؤمن -المؤمن فقط- علم أنّها من الله فكانت خير له.

  عجبًا لأمر المؤمن من الذي يتعجب؟ محمد   يقول (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له)  خير في الدنيا والآخرة (وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).

  قال الله سبحانه وتعالى على لسان يوسف قال: وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓ‌ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُ‌ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ١٠٠  [يُوسُف]، ربي لطيف لما يشاء.

  يوسف   ابتُلي ابلاء عظيماً، إخوتهُ -أشقاؤهُ- يَرمونه بالبئر، ثم لما جاءت السيارة ادعو أنّه عبد مملوك لهم، رقيق، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وباعوه بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ ٢٠ [يُوسُف].

  ومن لطف الله أنه يخدم في بيت العزيز، ويكون من امرأة العزيز ما يكون، ومن نسوة الملأ ما يكون، ثم يُسجن حتى لا يتضح أمر النسوة؛ لأنهم نساء علية القوم، وحتى يظن الناس ويتحدث الناس أن يوسف هو المذنب. ثم يمكث في السجن بضع سنين، ثم يكون من أمره ما يكون حتى ساق الله سبحانه وتعالى إليه الملك.

  الله   قادر على كل شيء، قادر أن يجعل يوسف   ملكًا من أول الأمر دون هذا الابتلاء، ولكن الله   لطيف خبير، حكيم جل جلاله، محمد  أكرم الخلق، الله   يحبه، أول من يفتح باب الجنة، الله قادر على أن يفتح قلوب قريش فيُؤمنوا به، ويسلموا له، ويدخلوا في دين الله ​​​​​​​، ولكن الله من لطفه وحكمته يَبتلي رسوله أشد ما يكون من البلاء يقول  : لقَد أوذيتُ في اللَّهِ وما يؤذي أحَدٌ، ولقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ، أوذي عليه الصلاة والسلام ممن؟ بتقدير من؟ بتقدير اللطيف الخبير الحكيم العليم جل جلاله.

  فقضاء الله   كله خير، لحكم عظيمة يبتلي عباده المتقين، وأشد عباد الله بلاءً هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ولله الأمر من قبل ومن بعد.

  يا عبد الله كلما نزل بك هم، كلما غشاك غم وهم وكرب، تذكر قول الله سبحانه وتعالى  ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ  .

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *