( الدنيا لأربعة نفر)
الدنيا لأربعة نفر…
أخرج الإمام احمد والترمذي من حديث يونس ابن خباب عن سعيد الطائي أبي البختري قال حدثني أبو كبشة الأنماري قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ثلاثةٌ أقسِمُ عليْهنَّ وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ قالَ ما نقصَ مالُ عبدٍ من صدقةٍ ولا ظلِمَ عبدٌ مظلمةً فصبرَ عليْها إلَّا زادَهُ اللَّهُ عزًّا ولا فتحَ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلَّا فتحَ اللَّهُ عليْهِ بابَ فقرٍ أو كلمةً نحوَها وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ فقالَ إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ عبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا وعلمًا فَهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ فيهِ رحمَهُ ويعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فَهذا بأفضلِ المنازلِ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزقْهُ مالًا فَهوَ صادقُ النِّيَّةِ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فأجرُهما سواءٌ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولم يرزقْهُ علمًا يخبطُ في مالِهِ بغيرِ علمٍ لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ ولا يصِلُ فيهِ رحمَهُ ولا يعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فهو بأخبَثِ المنازلِ وعبدٍ لم يرزقْهُ اللَّهُ مالًا ولا علمًا فَهوَ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيهِ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فوزرُهما سواءٌ.
هذا الحديث العظيم فيه جملة من الفوائد:
الفائدة الأولى: أن من أنعم الله سبحانه وتعلى عليه بالعلم والمال فاتقى الله في هذا المال ووصل رحمه بهذا المال، وعلم أنّ لله حقًا في هذا المال فهو في أعلى المنازل، وأعلى الدرجات.
ولا تظنن أخي المسلم أن هذا الحديث مقصور على أصحاب الأموال الممدودة والأموال الكثيرة!
أنت يا عبد الله آتاك الله مالًا -قلّ أو كثر قال النبي ﷺ وعبد آتاه الله مالًا نكرة في سياق الإثبات فيشمل كل مال حتى وإن كان المال قليلًا، يتق الله في هذا المال، يتق الله سبحانه وتعالى، يصِل رحمه، يؤدي حق هذا المال، وزكاة هذا المال، هو في أعلى المنازل.
هذا الحديث ليس خاصًا بأصحاب وأرباب الأموال، حتى وإن كان ماله يسيرًا لكنه يعمل به بما يرضي الله -سبحانه وتعالى- يدخل في هذا الحديث، وفضل الله واسع.
ومن زاد الله سبحانه وتعالى في ماله فسلطه على هلكته في الحق فهؤلاء أهل الدثور وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
من فوائد هذا الحديث:
أن التجارة بالنية مع الله سبحانه وتعالى تجارة رابحة الاحتساب.
الله سبحانه وتعالى جواد كريم، لو أن رجلًا لم يؤته الله مالًا لا مال له يتصدق أو يصل رحمه فيه، لكن نيته طيبه كما قال النبي ﷺ فهو صادق النية، كلما رأى رجلًا يتصدق، ينفق ماله في الخير، يبني مساجد، يرعى الأيتام، يَرعى الأرامل، يَنشر الخير، يغبطه ويقول لو أن عندي مال لعملت كما عمل فلان، فهما في الأجر سواء يعني في أصل الثواب، فالله سبحانه وتعالى يعطي جل جلاله بالنية الصادقة وبالاحتساب يعطي عطاء عظيمًا جزيلًا ولذلك توارد العلماء على مقولة صادقة وهي: أن النية تجارة العلماء.
فلينوِ العبد نية طيبة قال الإمام أحمد وهو يُوصي ابنه قال: يا بني انو الخير فإن العبد لا يزال في خير ما نوى الخير.
من فوائد هذا الحديث:
أن من أعطاه الله سبحانه وتعالى مالًا فخَبِط بهذا المال وسلّط على هلكته في الباطل، وعلى الشهوات، وعلى المعاصي، وعلى المنكرات، هو بأخبث المنازل نسأل الله العافية والسلامة.
فهذا المال مال الله -عز وجل- جعله بيد العباد، فمن استعمله هذا الاستعمال الذي لا يُرضي الله -سبحانه وتعالى- سخط الله عليه، ومقته، وإن لم يُنزع منه هذا المال، وإن لم تنزع منه هذه النعمة ومُتع بها حتى خرج من هذه الدنيا فإن حسابه على الله -عز وجل-.
فينبغي الحذر يا عبد الله أن يغبط العبد المسلم هؤلاء الذين فتحت لهم الدنيا، ولم يرزقوا علمًا، ولم يرزقوا إيمانًا، ولم يرزقوا تقوى، فهم يخوضون في مال الله يتخوضون فيه بالباطل فمن نوى وتمنى ما هم فيه فقد قال النبي ﷺ فهم في الوزر سواء.
نسأل الله العافية والسلامة من ذلك ونسأله جل جلاله أن يجعلنا في أفضل المراتب من رزقه علم ومال فهو يتق فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم أن لله فيه حقًا.