عباد الله ان المرء في حياته ومعاشه يتقلب بين خير وشر ورخاء وشظف وفتح واغلاق وعسر ويسر ومد وجذر ومد وجزر هكذا هي الحياة ايام دول تتقلب فلا تدوم على حال
فان فان من سرته حال ساءته احوال
والنسيم لا يهب عليلا على الدوام
ولو نظر الى امسه فسيراه قد فات
فلا يستطيع رده
فلا يستطيع رد ولا يشعر بلذته وينسى الم حزنه الذي انقضى ولو نظر الى غده فسيراه مجهولا فهو ليس على ثقة منه لانه لا يدري ما الله قاض له فيه فلا يرى حينئذ بين يديه الا يومه يتنفس فيه ويسمع ويسمع ويبصر
فصارت محصلته من ذلكم ان امسه اجل
ويومه عمل ومستقبله امل
انها الدنيا عباد الله
دار الممر لا دار المقر
والناس فيها صن من باع نفسه فاوبقها ومن ابتاع نفسه فاعتقها
يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه
انها لدار اولها عناء واخرها فناء حلالها حساب وحرامها من استغنى فيها فتن ومن افتقر حزن فان ذوي الالباب اذا امتحنوا الدنيا تكشفت لهم حقيقتها بعد اغراء وان اللهث ورائها مغبته عناء وكم من مغرم بطلابها زورت له خصوما في ثياب اصدقاء عباد الله ومن اراد النجاة في هذه الدار فعليه بامور ثلاثة هي عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه واخراه عليه بالشكر والصبر والتوبة اذا اذنب
اذا انعم الله عليه شكر
واذا ابتلي صبر
واذا اذنب استغفر
فان العبد لا ينفك عنها ابدا
وهو دائم التقلب بين هذه الامور الثلاث
اولها نعم من الله تعالى تترادف عليه فقيدها الشكر
وهما وهو مبني على ثلاثة اركان
الاعتراف بها باطنا والتحدث بها ظاهرا وتصريفها في مرضات وليها ومسديها فاذا فعل هذه الاركان الثلاثة فقد شكرها مع تقصيره في شكرها
ثانيها محن من الله تعالى يبتليه بها
فواجبه فيها الصبر والتسليم
والصبر مبني على ثلاثة اركان
النفس عن التسخط بالمقدور وحبس اللسان عن الشكوى وحبس وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر ونحو ذلك
فمدار الصبر على هذه الاركان الثلاثة فمدار الصبر على هذه الثلاثة فاذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة واستحالت البلية عطية وصار المكروه محبوبا فان الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه وانما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته
فان لله تعالى على العبد عبودية في الضراء كما له عليه عبودية في السراء وله عليه عبودية فيما يكره كما له عبودية فيما يحب واكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون والشأن في اعطاء العبودية عبودية فيما يكرهون
فبه تفاوتت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى
ومن كان عبدا لله في الحالين قائما في قائما بحقه في المكروه فذلك الذي قال الله فيه اليس الله بكاف عبده? فالكفاية التامة مع العبودية التامة والناقصة مع الناقصة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا فلا يلومن الا نفسه
وها عباده الذين ليس لعدوه عليهم سلطان
قال تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان
ولما علم عدو الله ابليس ان الله تعالى لا يسلم عباده اليه ولا يسلطه عليهم
قال فبع لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين
وقال سبحانه ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين
وما كان له عليهم من سلطان
الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك
فلم يجعل لعدوه سلطانا على عباده المؤمنين
فانهم في حرزه وكلاءته وحفظه وتحت كنفه
وان اغتال عدوه احدهم كما يغتال اللص الرجل الغافل
فهذا لابد منه لان العبد قد بلي بالغفلة والشهوة والغضب ودخول ودخول ابليس على العبد من هذه الابواب الثلاثة ولو احترز العبد ما احترز فلابد له من غفلة ولا بد له من شهوة ولا بد له من غضب
فاذا اراد الله بعبده خيرا فتح له الامر الثالث
فتح له بابا من ابواب التوبة والندم
والانكسار والذل والافتقار والاستغاثة به
وصدق اللجأ اليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب اليه
ما تكون تلك السيئة سبب رحمته حتى يقول عدو الله يا ليتني تركته ولم اوقعه
وهذا معنى قول بعض السلف ان العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة
وان ويعمل الحسنة يدخل بها النار
قالوا كيف? قال يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه خائفا منه
مشفقا وجلا باكيا ناديا نادما مستحيا من ربه تعالى
ناكس الرأس بين يديه منكسر القلب له
فيكون ذلك الذنب
سبب سعادة العبد وفلاحه ويكون ذلك الذنب انفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الامور التي بها سعادة العبد وفلاحه ويكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة
ويفعل الحسنة فلا يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها ويقول فعلت وفعلت فيورثه ذلك من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه فاذا اراد الله تعالى بهذا المسكين خيرا ابتلاه بامر يكسره به ويذل به عنقه ويصغر به نفسه عنده
والله سبحانه وتعالى المسؤول المرجو الاجابة ان يتولانا في الدنيا والاخرة
وان وان يسبغ علينا نعمه ظاهرة وان يجعلنا ممن اذا انعم الله عليه شكر
واذا ابتلي صبر واذا اذنب استغفر
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني واياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم
اقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من ذنب انه هو الغفور الرحيم