الاستغفار وفضائله

  معاشر المؤمنين..قال الإمام قتادة بن دعامة السدوسي، وهو من أئمة التابعين قال رحمه الله: إنّ القرآن يدلكم على دائِكم ودوائكم، فإنّ داءكم الذنوب، ودواؤكم الاستغفار لله سبحانه وتعالى. 

   وصدقَ رحمه الله، فإنّ الله سبحانه وتعالى دعانا في هذا الكتاب العزيز إلى الاستغفار الذي يُبطل الله سبحانه وتعالى به آثار الذنوب، فإنْ للذنوب خطرًا عظيمًا وطالبًا عند الله سبحانه وتعالى.

   ومن أخطر ما ينتج عن الذنوب غضب الله سبحانه وتعالى، وإهلاك الله جل جلاله للناس، قال الله سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ .

   الاستغفار هو أمان للمسلم، وأمان للمجتمعات المسلمة، فالله سبحانه وتعالى دعانا في هذا الكتاب العزيز إلى أن نُكثر من الاستغفار، آياتٌ كثيرة يدعونا الله سبحانه وتعالى فيها إلى الاستغفار.

 ومن تأمل آيات الاستغفار في الكتاب العزيز، والله ليتعجب من كثرة ما تورد هذه اللفظة، في هذا الكتاب العزيز.

   نحن في هذه الخطبة نتكلم عن جزئية واحدة، وهي دعوة الله لنا للاستغفار.

 هناك آيات كثيرة دعا الله سبحانه وتعالى فيها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو خير الخلق، دعاه لأن يستغفر الله، قال الله سبحانه وتعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ، ويقول الله سبحانه وتعالى: فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ.

   قال ابن كثير -وهو من أعيان المفسرين- في قول الله سبحانه وتعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ، قال: هذا تهييج للأمة على الاستغفار. وما أجمل ما قال رحمه الله.

   الله جل جلاله يُهيج الناس بأن يستغفروا، وأن يُكثروا من الاستغفار، إذا كان نبيهم صلى الله عليه وسلم خير الخلق الله، غُفر له ما تَقدم من ذنبه وما تأخر، الله جل جلاله يَأمره بالاستغفار وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ.

 وهذه الآيات، أعني آيات أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار، ليست من الآيات التي نَزلت في أول الوحي، بل إنّ بعضها من آخر ما نزلَ من الوحي، أرأيتم يا عباد الله سورة النصر؟ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا.

   هذه الآية هي نَعي النّبي صلى الله عليه وسلم نُعيت إليه نفسه بهذه الآية، من آخر ما نزلَ من القرآن، ومع ذلك، الله سبحانه وتعالى يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ، أمرٌ بالاستغفار.

   هذه واحدة، أو نوع واحد من أنواع الآيات الداعية لأهل الإيمان للاستغفار.

   من الآيات التي يدعو الله سبحانه وتعالى بها عباده للاستغفار، أنّ الله جل جلاله أثنى على المستغفرين، فقال سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: ٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡمُنفِقِینَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِینَ بِٱلۡأَسۡحَارِ.

أثنى الله جل جلاله عليهم بأنّهم يستغفرون بالأسحار، في آخر الليل.

 وقال سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: كَانُوا۟ قَلِیلࣰا مِّنَ ٱلَّیۡلِ مَا یَهۡجَعُونَ ۝١٧ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ، عامة الليل، كانوا يقومون لله سبحانه وتعالى يُصلون، يتلون آيات الله، يبكون بين يدي الله، رُكَّعًا سُجدًا في آخر الليل، ماذا يَفعلون؟ يَستغفرون بالأسحار.

    الله سبحانه وتعالى أثنى عليهم، لماذا؟  لأنّهم أصحاب استغفار، يطلبون المغفرة من الله سبحانه وتعالى.

   من أنواع دعوة الله سبحانه وتعالى لعباده للاستغفار، أنّ الله سبحانه وتعالى دعا أولئك الطوائف الذين ابتعدوا عن الله، أعرضوا عن الله، أسرفوا بالذنوب والمعاصي، دعاهم الله سبحانه وتعالى للاستغفار، أن يستغفروا، ويَعودوا إلى ربهم.

   ما مَغِبة البعد عن الله؟ ما مَغبة المعاصي والذنوب؟ أنّها الحسرة والندامة في الدنيا قبل الآخرة، والله سبحانه وتعالى رحيم ودود بعباده، دعاهم للمغفرة دعاهم للتوبة يقول الله سبحانه وتعالى: قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ، ويقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: وَٱلَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُوا۟ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ یُصِرُّوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلُوا۟ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ، ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء: وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِیُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ جَاۤءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُوا۟ ٱللَّهَ تَوَّابࣰا رَّحِیمࣰا.

   يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء: وَمَن یَعۡمَلۡ سُوۤءًا أَوۡ یَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ یَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ یَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا، يقول الله سبحانه وتعالى عن قوم كفروا به، وتَعدُّوا عليه جل جلاله بقولٍ عظيمٍ شنيعٍ، يقول الله سبحانه وتعالى عن هذا القول الفظيع: تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا ۝٩٠ أَن دَعَوۡا۟ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَدࣰا ۝٩١ وَمَا یَنۢبَغِی لِلرَّحۡمَـٰنِ أَن یَتَّخِذَ وَلَدًا هذا قول عظيم عند الله.

   الله عز وجل يبغض هذا القول، ويُبغض قائليه، قال سبحانه وتعالى في سورة المائدة: لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـٰثَةࣲۘ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّاۤ إِلَـٰهࣱ وَاحِدࣱۚ وَإِن لَّمۡ یَنتَهُوا۟ عَمَّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ ۝٧٣ أَفَلَا یَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَیَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ ۝٧٤  سبحان الله! ما أحلم الله! ما أعظم الله! تكلموا عليه! ومع ذلك يقول متحببًا إليهم: أَفَلَا یَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَیَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ ۝٧٤.

    يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البروج، جميعنا يحفظها، أصحاب الأخدود جريمة عظيمة، سطرها الله سبحانه في القرآن، قومٌ بأكملهم تُحفر لهم الأخاديد، حفرٌ من نار يُقذفون فيها؟ لماذا؟ لأنّهم قالوا: لا إله إلا الله، دخلوا في دين الله، خُدت الأخاديد وأُلقي الناس، الكبير والصغير، الذكر والأنثى، لم يَرحموا صغيرًا ولا كبيرًا، أُلقوا في النار، ماذا قال الله سبحانه وتعالى عن أصحاب الأخدود؟ قال: قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ ۝٤ ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ ۝٥ إِذۡ هُمۡ عَلَیۡهَا قُعُودࣱ ۝٦ وَهُمۡ عَلَىٰ مَا یَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ شُهُودࣱ ۝٧ وَمَا نَقَمُوا۟ مِنۡهُمۡ إِلَّاۤ أَن یُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ ۝٨ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ ۝٩، ثم يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ ٱلَّذِینَ فَتَنُوا۟ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَتُوبُوا۟ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِیقِ ۝١٠، قال العلماء: لو تابوا تاب الله عليهم.

  يقول الحسن البصري: سبحان الله! ما أحلم الله! قَتلوا أولياءه، ثم يَدعوهم إلى التوبة، الله سبحانه وتعالى يَدعو الناس، والله يدعو إلى المغفرة، وَٱللَّهُ یَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِ، دعوة للناس أن يُكثروا من الاستغفار، وليست خاصة للمذنبين والعاصين كما تقدم، يَدعو الله سبحانه وتعالى حتى الرسل إلى التوبة، وإلى الاستغفار.

    من آيات الاستغفار -يا معاشر المؤمنين- ما أمر الله سبحانه وتعالى به أنبيائه، أن يَدعو الناس إلى الاستغفار، قال هود عليه السلام لقومه: وَیَـٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِ یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا وَیَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡا۟ مُجۡرِمِینَ، وقال شعيب عليه السلام: وَٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِۚ إِنَّ رَبِّی رَحِیمࣱ وَدُودࣱ، وقال سبحانه وتعالى في مطلع سورة هود: وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِ یُمَتِّعۡكُم مَّتَـٰعًا حَسَنًا إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى وَیُؤۡتِ كُلَّ ذِی فَضۡلࣲ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ كَبِیرٍ.

 

   وقال نوح لقومه: فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارࣰا ۝١٠ یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا ۝١١ ثم بين آثار الاستغفار، الله سبحانه وتعالى بَين لنا في القرآن أن الملائكة تستغفر لمن في الأرض، في آيتين من الكتاب العزيز، قال في سورة الشورى: تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِی ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَاۤ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ۝٥، ويقول سبحانه وتعالى: ٱلَّذِینَ یَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَیُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَیۡءࣲ رَّحۡمَةࣰ وَعِلۡمࣰا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِینَ تَابُوا۟ وَٱتَّبَعُوا۟ سَبِیلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ، الملائكة تستغفر لمن في الأرض.

    يا عباد الله..الله جل جلاله يُحب الاستغفار ويُحب المستغفرين.

    يا عباد الله..هذه الآيات هي تهييج لك، أن تستغفر الله سبحانه وتعالى، وأن يكون الاستغفار هِجْيرًا لك، تُلازم الاستغفار صباحَ مساء، بعد عبادة، أو بعد تقصير، أو بعد غفلة، أكثِر من الاستغفار، فإنّ عاقبة الاستغفار حميدة، وطوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرًا.

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *