يا مسلم يا عبد الله؟؟
احمد الله عز وجل عز وجل كثيرًا على أن هَداك لهذا الدين. الدين العظيم الذي اصطَفاه الله سبحانه وتعالى واختاره.
هذا الدين الذي يَأمرك بكل خير.
هذا الدين الذي يَنهاك عن كل شر.
هذا الدين الذي جاء ليُحل لك الطيبات.
هذا الدين الذي جاء ليُحرم عليك الخبائث.
هذا الدين الذي جاء ليَحفظ عليك الضروريات الخمس، التي لا تَستقيم الحياة إلا بها، لا تَستقيم سعادتك ولا تتم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بحفظها.
الضروريات الخمس التي عبّر عنها العلماء واستدلوا عليها باستقراء نصوص الكتاب والسنة، وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل أو النسب وحفظ العقل وحفظ المال، وبعضهم يزيد حفظ العرض.
هذه الضروريات الخمس التي لا غِنى للعباد عن حفظها.
هذه الشريعة جاءت برعاية هذه الضروريات.
ومن أخصّ هذه الضروريات -يا عباد الله- ضرورة العقل.
هذه الشريعة، وهذا الدين، وهذا الوحي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على قلب رسولنا صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة، جاء لحفظ العقل للناس.
وللدين في ذلك وسائل شتى وكثيرة، منها أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالعلم وحث عليه وأمر به وندب الناس إليه في آياتٍ ونصوص ٍكثيرة، تُعيي من أراد حصرها وجمعها، ويَكفي في ذلك -يا عباد الله- أن أول آيةٍ نزلت على قلب رسولنا صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، الأمر بالقراءة وهي أخص وسيلة لتحصيل العلم، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. الأمر بالعلم؛ لأن العلم يحفظ على المسلم عقله، ويزيد له في عقله، وكذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى في آياتٍ كثيرة يأمر بالتفكر، ويأمر بالتذكر، ويأمر بالتبصر، ويأمر بالنظر، ويأمر بالعقل والتعقل.
الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يُبين لنا ضلال المشركين والمنحرفين عن دين الله سبحانه وتعالى، بيّن لنا في القرآن انحرافُ عقولهم، كيف يَنصرفون عن عبادة الواحد القهار، الخلاق العليم، إلى أشياء لا تَضرهم ولا تَنفعهم ولذلك فإنّ الله يُوبخ الكفرة في مثل هذه الآيات، أفلا يعقلون أفلا يتفكرون.
هذه الشريعة جاءت بحفظ العقل، فنهت عن الخرافة، ونهت أن تعتقد شيئًا دون دليل وبرهان قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.
من حفظ الشريعة للعقل أنها حرمت إذهاب العقل بأي صورة من الصور، أو إضعافه أو إزالته، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى حرم الخمر؛ لأنها تُزيل العقل أو تُضعفه أو تُذهبه، ولما كان الوحي ينزل على أناس كانت الخمرة قريبةً منهم، وهي نديمهم في مجالسهم.
تدَرج الله سبحانه وتعالى في النهي عن الخمر وبيان خُبثها وبيان عَيبها، فقال الله سبحانه وتعالى في سورة مكية وهي سورة النحل، قال سبحانه وتعالى: وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا سيقت هذه الآية في مساق الامتنان، فلما قال رزقًا وصفه بالحسن، وأما السكر فسكت عنه، فدلت الآية هذه -إشارة- على عيب السكر.
ثم قال الله سبحانه وتعالى في آية مدنية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا، ثم انتقلت الآيات وتحدثت عن أمر آخر، فلم يأمر الله سبحانه وتعالى بشيء ولكنه تصريح لأهل العقول أن إثمها وإثم الخمرة أكبر من نفعها فاجتنبها من اجتنبها.
ثم قال الله سبحانه وتعالى مُضيقًا على هذه المعصية وهي شرب الخمر، قال الله سبحانه وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ فكان يضطر من أراد شربها ألا يشربها إلا بعد صلاة العشاء الآخرة، أو بعد صلاة الفجر؛ لأنّ الوقت طويل مظنة أن يَرجع إليه عقله قبل أن تَحل الصلاة بعدها.
ثم أنزل الله سبحانه وتعالى الآية الرابعة التي حكمت في شأن الخمر، فقال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ . قال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهينا انتهينا، فأريقت الخمور في سكك المدينة امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى.
ثم بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حال الخمر، وأنها أم الخبائث، وأنها تقود إلى كل رذيلة وتدعو إلى كل مفسدة، فمن غاب عقله ما الذي يَمنعه عن ارتكاب المحرمات والموبقات وقتل الناس وإيذائهم وإتلاف أموالهم؟ لا شيء؛ لأنّ العقل يُسمى حِجرًا يَحجر الإنسان عما يَضره وعما يؤذيه.
ثم أكدت الشريعة ببيان حد من شرب الخمر وإن مما يلحق بالخمور كل ما يزيل العقل من المخدرات وغيرها، فإن لها نفس الحكم ويزداد إثمها وجرمها إذا كانت أشد من الخمر من ناحية ومن جهة الإدمان عليها والضرر وقوة النشوة التي تجعل الإنسان يؤذي نفسه وغيره.
واعلموا يا عباد الله واعلموا يا مسلمين يا أيها المسلمون أنكم مستهدفون من أعداء الله سبحانه وتعالى قاطبة وأن قلوب أعدائكم تغلي عليكم فيريدون إيصال الأذية والسوء إليكم بأي وسيلة قدروا عليها واستطاعوا لها.
فاحذروا يا عباد الله احذروا الخمور والمخدرات بأنواعها، وحذروا منها من تَلقون من عباد الله سبحانه وتعالى عال حذروا منها أبنائكم وأقاربكم وحذِّروا من أصحاب السوء ورفقاء السوء الذين ربما أدخلوا على الواحد أشياء وهو لا يعلم وهو لا يدري فكان هذا مؤذنا بفساد دينه ودنياه.
فيجب على المسلم أن يحذر وأن يُحذّر وأن يرعى أبناءه وبناته، وينتبه لهم وأن يكون قريبا منهم يعرف أصحابهم ويتقرب إليهم فلا يكون كالرجل الغائب البعيد لا يدري ما يصنع أبناؤه ولا يدري ما تصنع بناته فإن هذا نوع من أنواع خيانة الأمانة وإن أبنائنا يا عباد الله وبناتنا من الأمانات التي -والله- سنُسأل عنها يوم القيامة، وإن كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا ويوفقنا لرعاية هذه الأمانة العظيمة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم