قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ.
وقال الله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.
ويقول الله سبحانه وتعالى: وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين ِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. وقال الله سبحانه وتعالى: سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ.
جاء في التفسير أن هذه الآيات والتي فيها هذه البشارات وهذا السلام يكون عند احتضار المؤمن.
المؤمن إذا كان في السياق وملائكة الله عز وجل يُنزَلون لقبض روحه، ساعة عصيبة، وساعة مخيفة، يُؤَمَّن فيها ويُبشَّر تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا، لا تخافوا مما أنتم قادمون عليه، ولا تحزنوا مما تركتموه خلفكم من أموال وأولاد، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، يُعطَون البشارة في هذا المقام.
يُسلم الله سبحانه وتعالى عليهم، كما جاء في التفسير عن غير واحد من علماء التفسير وعلى رأسهم ابن عباس حبر الأمة، أنّ الله سبحانه وتعالى يُرسل سلامه مع ملائكته، أن سلموا على عبدي فلانًا، سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ.
وقد أخرج الإمام البخاري ومسلم من حديث الزهري، قال أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ وهو صَحِيحٌ: إنَّه لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ -أو لن يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ- حتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ” يُخير بأن يبقى في الدنيا، أو تقبض روحه، ثم يخير. قالت: “فَلَمَّا نَزَلَ به ورَأْسُهُ علَى فَخِذِي غُشِيَ عليه سَاعَةً، ثُمَّ أفَاقَ فأشْخَصَ بَصَرَهُ إلى السَّقْفِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى، فاختار ما عند الله سبحانه وتعالى على أن يبقى سُنيات في هذه الدنيا.
هذه السكينة يا عباد الله التي ينزلها الله سبحانه وتعالى على أوليائه، وأخصهم الأنبياء والصالحون من بعدهم، لهم قدر من ذلك هذه الطمأنينة والسكينة والراحة، تخرج أرواحهم كما تسيل القطرة في فيِّ السقاء، من جراء تبشير الملائكة لهم، ولذلك من قرأ سير العباد والعلماء والصالحون من هذه الأمة إلى يومنا هذا كيف يموتون؟ على أي شيء يموتون؟ كيف يختم الله سبحانه وتعالى لهم أعمالهم؟ وجد في ذلك عجبًا، ووجد في ذلك رقة في قلبه.
يقول عمر بن محمد بن إسحاق الحافظ قال: سمعت ابن وارة يقول: دخلت أنا وابن أبي حاتم على أبي زرعة وهو في السياق، -أبو زرعة جبل من جبال الحديث، محدث كبير من المحدثين، وإمام من أئمة هذا الشأن-، يقول: فقلت كيف نذكر أبا زرعة؟ هذا العالم الكبير كيف يذكر بكلمة التوحيد؟! ثم قلت: -أبو وارة يقول- حدثنا أبو عاصم، قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر ثم سكت، فقال أبو حاتم: حدثنا أبو بندار في آخرين، قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر وسكت، فتح عينيه أبو زرعة، أبو زرعة الرازي لما سمع الأسانيد فتح عينيه، وقال: حدثنا بندار، قال حدثنا أبو عاصم، قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر، قال حدثنا صالح بن أبي يعرب، قال حدثنا كثير مرة، عن معاذ رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، ومات لم يكمل الحديث، فكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله.
عبد الله بن المبارك جبل في العلم والتقوى والجهاد في سبيل الله والإنفاق في سبيل الله، لما نزلَ به، واشتدت عليه سكرات الموت، أفاق وتبسم، وقال: لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ، ثم قال: لا إله إلا الله، وفاضت روحه.
عبد الله بن شبرمة يقول: دخلت أنا وعامر الشعبي على مريض وعنده رجل يقول له: قل لا إله إلا الله، قل لا إله إلا الله، فكأنه أثقل عليه، فقال رجل: ارفق بالرجل، فقال المريض: دعه لقنني أم لم يلقنني والله لا أدعها. ثم قرأ قول الله سبحانه وتعالى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا، ومات على ذلك.
يقول أبو بكر بن عياش دخلت على أبي عاصم وهو يحتضر، فسمعته يقرأ وكأنه في المحراب -كأنه يصلي بالناس- وسمعته وهو يحتضر يقرأ قول الله سبحانه وتعالى، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ، ثم فاضت روحه.
ابن الصلاح كان آخر ما تلفظ به، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.
علاء الدين الكاساني أو الكاشاني الحنفي، صاحب كتاب بدائع الصنائع، لما احتضر افتتح بسورة إبراهيم، فلما بلغ قول الله سبحانه وتعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، فاضت روحه.
تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية أقبل في آخر حياته وهو في الحبس على القرآن إقبالًا عظيمًا، فكان آخر آية قرأها إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ. ثم فاضت روحه رحمه الله.
أبو عمر ابن حمدان الإمام المحدث الزاهد، كانت زوجته على مَشارف الولادة، وهو يحتضر، فقالت له: إن ولادتي قريبة. فقال: أسلمته إلى الله -يقصد ولده الذي في بطنها- قال أسلمته إلى الله، لقد جاؤوني بالبشارة من السماء، ثم فاضت روحه.
زكريا بن عدي وهو في السياق، آخر ما قال: اللهم إني إليك لمشتاق.
اللهم إنا نسألك الشوق إلى لقائك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم