اعلموا أنّ من المطالب التي يَسعى إليها كل العقلاء، جميع الخلائق يَسعون إلى راحة بالهم.
راحةُ البال مطلب يَشترك فيه الناس جميعًا، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وفاجرهم، كل هؤلاء يَبحثون عن راحة البال، وإنّ الله سبحانه وتعالى وعدَ بصلاح البال، وراحة البال لأهل الإيمان، الذين يعملون بطاعة الله سبحانه وتعالى، قال الله جل جلاله: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ .
وصلاحه لا يُعطيه الله سبحانه وتعالى إلا من يَحب من أهل طاعته، وأهل الإيمان به، فلا راحة بالٍ لكافر، ولا صَلاح بالٍ لفاجر، ولا صَلاح بالٍ لمنافق فاسق، وإنّما هي خاصة بأهل الإيمان، هي منحة ربانية من الله سبحانه وتعالى، قد يَنالها فقير ينام على حصير، وقد يُحرم منها غني مَفْرشه الحرير، فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى.
وأولى ما تُستجلب به راحة البال هي طاعة الله سبحانه وتعالى، والإيمان به، قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي، من حديث عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله: قال الله: “مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، -يعني أعلمته بالحرب- وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ الحديث.
فمن تَقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالفرائض، فأدى ما عليه من فرائض الله عز وجل، واجتهد في فرائض الله، أن يَعملها ويُقيمها على الوجه الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك يَتقرب إلى ربه جل جلاله بأنواع النوافل مما فتح الله سبحانه وتعالى به عليه.
“وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ“، هذا يَتقرب بالإنفاق في سبيل الله، وذلك يَتقرب بنشر العلم، وذاك يَتقرب بقيام الليل، وآخر يَتقرب بقراءة القرآن، وآخر يَتقرب بصلة الأرحام، وما إلى ذلك من أوجه الخير وأوجه النوافل، حتى يُدرك العبد محبة الله سبحانه وتعالى، فإذا أدرك العبد محبة الله فلا تسلْ، فلا تسلْ عن راحة باله، وسعادته، وطمأنينته، فيُنعمه الله سبحانه وتعالى نعيمًا في الدنيا قبل نعيم الآخرة، إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ، قال العلماء: الأبرار في نعيم في الدنيا، وفي البرزخ، وفي القيامة يٌنعمهم الله سبحانه وتعالى.
يُلذذهم بطاعته، والإقبال عليه، والإخبات له جل جلاله، فهي لذة عظيمة خصّها الله سبحانه وتعالى بأوليائه.
عباد الله..تُنال راحة البال بطهارة القلب، بطهارة القلب، قلبٌ لا غل فيه، لا بغي فيه، لا حسد فيه.
جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَخْمُومِ القَلْبِ صَدُوقِ اللِّسانِ، قالوا يا رسول الله: ما مَخْمُومُ القَلْبِ؟ قال: التَّقِىُّ، النَّقِيّ، الذي لا إثْمَ فِيهِ ولاَ بَغْىَ ولاَ غِلَّ ولاَ حَسَدَ.
قلبٌ طاهر، يحب الخير للناس، إنْ رأى نعمة أنزلها الله سبحانه وتعالى بأخٍ أو صديقٍ أو جارٍ أو قريبٍ، سُرّ بذلك، فهو يُحب لإخوانه ما يحب لنفسه.
طهارة قلب، هؤلاء أهل الجنة، لا يحقدون، لا يحملون الضغائن، لا يبغون على عباد الله، لا يعتدون عليهم، يفرحون ويسرون إذا رأوا إخوانهم من أهل الإسلام تنزلت عليهم نعم من الله سبحانه وتعالى، فلا راحة بال لحاسد، ولا راحة بال لحاقد، ولا راحة بال لباغ يبغي الشر للناس.
عباد الله…إنّ ممن يَظفر براحة البال من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، ورضي بعد ذلك بأقدار الله عز وجل، فهو راضٍ عن ربه جل جلاله، وراضٍ عما قدره الله سبحانه وتعالى له.
قال الله سبحانه وتعالى: وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ. قال الأعمش: قال علقمة: ذاك هو الرجل المؤمن، تُصيبه المصيبة، فيعلم أنّها من الله فيرضى ويُسلم. أُصيب بمصيبة، بِفقد حبيب، بِخسارة مال، بمرض، يتذكر أنّها ممن؟ من الله سبحانه وتعالى، فيَرضى ويُسلم.
يَهْدِ قَلْبَهُۥۚ، فيسكن قلبه ويَطمئن لأمر الله عز وجل، وقد قيل: تنال راحة البال بحسن التوكل فيما لم يَنلْ، وبحسن الرضا فيما قد نَال، وحُسن الصبر فيما فات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور