أخرج الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ بادِروا بالأَعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ؛ يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، ويُمسي مُؤمِنًا، ويُصبِحُ كافِرًا، يَبيعُ دينَه بِعَرَضٍ مِن الدُّنيا قَليلٍ.
هذا الحديث الذي يحثنا ويأمرنا ﷺ فيه بالمبادرة بالأعمال.
بادروا بالأعمال المسارعة إلى الأعمال، المسابقة الى الأعمال، وهذا أمر قرآني أمر الله به.
قال وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. ويقول الله سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. ويقول الله فاستبقوا الخيرات ويقول أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون. إنها المسارعة إلى مرضاة الله، المسابقة إلى طاعة الله، المبادرة بالأعمال التي تقرب العبد إلى الله .
لما قال ﷺ فتنًا كقطع الليل المظلم والمعنى: بادروا بالأعمال قبل أن تحل بكم وتنزل بكم فتنًا عظيمة، مظلمة، يهلك فيها من هلك، فتنًا كقطع الليل المظلم.
وجاء في الحديث الآخر عند الترمذي من حديث محرر بن هارون القرشي عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ بادِرُوا بِالأعمالِ سبعًا ، هل تَنظُرُونَ إلَّا فَقرًا مُنْسِيًا، أو غِنًى مُطْغِيًا، أو مَرَضًا مُفسِدًا، أو هَرَمًا مُفَنِّدًا، أو مَوتًا مُجْهِزًا، أو الدَّجالُ، فشَرُّ غائِبٍ يَنتَظِرُ، أو الساعةُ، فالساعةُ أدْهَى وأمَرَّ وفي إسناده مقال.
فهنا الأمر بالمبادرة والمسارعة بالأعمال الصالحة قبل أن تنزل بالإنسان فتن.
تشمل هذه الفتن الشبهات، والشهوات مظلمة كقطع الليل المظلم كما قال الله لوصفه للمجرمين الكافرين الذين استحقوا دخول النار كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا يعني كأنما ألبست وجوههم قطعًا من الليل مظلمًا من شدة السواد وشدة الظلمة.
هذه الفتن مظلمة قد يفتن الإنسان عن دينه وهو لا يشعر، قد يتلبس المسلم و العبد بالفتنة ويظن أنه على طريق مستقيم. قال الله قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
كم من مفتون يظن أنه على صراط مستقيم، كم من ضال يظن أنه مهتد، فهذه الأعمال لها سبب عظيم في ثبات الإنسان على الحق، وثباته على الطاعة، وتبين الحق له وعدم التباسه عليه.
فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ؛ يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، ويُمسي مُؤمِنًا، ويُصبِحُ كافِرًا، يَبيعُ دينَه بِعَرَضٍ مِن الدُّنيا قَليلٍ كل ما في الدنيا عرض، عرض زائل، المال عرض زائل، الصحة عرض زائل، الجاه عرض زائل، كل ما ترى من شأن الدنيا إنما هو عرض يزول ولا يبقى إلا الله . وما أريد به وجه الله هذا الذي يبقى.
قال الله كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ معنى هذه الآية كل شيء هالك من الخلائق إلا وجه الله هو الباقي.
وقيل في معناها: أن كل عمل يضمحل ويفنى ويهلك إلا ما أريد به وجه الله فإنه يبقى لأنه أريد به وجه الله.
أرأيت الباقيات الصالحات أنت إن قلت: سبحان الله وبحمده تريد وجه الله هذه تبقى لك، تبقى ما تفنى، تبقى ما تهلك صلاتك، تبقى ما تهلك ولا تفنى؛ لأنك أردت بها وجه الله .
فكل ما أريد به وجه الله يبقى، أما الدنيا فهي عرض زائل تزول عن الإنسان إما تتركه وإما يتركها،
بعرض من الدنيا قليل وليس معنى هذا أن من باع دينه بعرض كثير فلا ملامة عليه! فلفظة قليل هنا كاشفة وليست مقيده بأن كل أعراض الدنيا وكل أموالها وكل رئاساتها وكل ما فيها إنما هي قليل لا شيء إذا قورن بما عند الله ، مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ.
فهذا الحديث -يا عباد الله- فيه حث للمؤمن على المبادرة بالأعمال الصالحة، والحذر من التسويف.
كم من أناس سوفوا في الأعمال الصالحة، سوف في التوبة، سأتوب إذا بلغت كذا وكذا من العمر، سأتوب إذا تزوجت، سأتوب إذا رزقت بأبناء، سأتوب إذا نزل وحل بنا رمضان، وهذا يستمر معه التأجيل حتى يبغته الأجل.
قدم -يا عبد الله- قدم -يا عبد الله- فالموت يبغت .