معاشر المؤمنين روى الامام البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عبدالله بن الحارث عن عبد الله بن عباس ان عمر رضي الله عنه خرج الى الشام وكان خروجه رضي الله عنه في السنة الثامنة عشرة في ربيع الاخر
خرج رضي الله عنه الى الشام حتى اذا بلغ وهي واد بتبوك
او واد قربة ابوك فخرج من المدينة قطع هذه المسافة الى ان اقترب الى تبوك
فلقيه امراء الاجناد ابو عبيدة عامر بن الجراح واصحابه
المسلمون في عهد ابي بكر الصديق لما فتحوا الشام جعل ابو بكر الصديق رضي الله عنه اجنادا في الشام
جعل جندا في الاردن وجندا في حمص وجندا في دمشق وجندا في فلسطين
فكان فكان هؤلاء هؤلاء الجند عليهم امراء
من هم هؤلاء الامراء? ابو عبيدة عامر بن الجراح
وخالد بن الوليد ويزيد ابن ابي سفيان وشرحبيل ابن حسنة وعمرو ابن العاص
وكانوا في وقت ابي بكر الصديق امر الجهاد والقتال بيد خالد ابن له يا امير المؤمنين ان ان الوباء قد استشرى بالشام او استشرى بارض الشام فقال عمر رضي الله عنه لعبدالله بن عباس ادعوا لي المهاجرين الاولين
فاجتمعوا عنده فقال لهم ان الوباء قد نزل بارض الشام
فما ترون? يشاورهم
فقال بعضهم انك خرجت لامر فلا ترجع دونه
يعني اشاروا له بالمواصلة للمسير الى ان يصل الى الشام
وقال بعضهم معك بقية الناس واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا نرى ان تقدم بهم الى هذا الوباء
اختلفوا عنده
فقال عمر رضي الله عنه ارتفعوا عني
ثم قال لعبدالله بن ابن عباس ادعو لي الانصار
فدعاهم فشاورهم عمر
فقالوا كقول المهاجرين الاولين واختلفوا كاختلافهم
ثم قال لما رأى اختلافهم قالوا قال رضي الله ارتفعوا عني ثم قال لعبدالله بن عباس ادعوا لي مشيخة قريش مهاجرة الفتح هؤلاء شيوخ كبار من قريش ولكنهم لم يكونوا ممن اسلم قبل الفتح
اسلموا بعد فتح مكة
وهاجروا من مكة الى المدينة
وان كان قال النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح يعني لا هجرة متعينة
وانما هاجروا كما قال العلماء على سبيل الندب فتركوا مكة وذهبوا الى المدينة
اتوا هؤلاء مشيخة قريش فاستشارهم عمر بما استشار به المهاجرين والانصار
فاجتمع قولهم لم يختلفوا اجتمع قولهم ان يرجع بالناس ولا يقدم بهم الى الوباء
فقال عمر رضي الله عنه ايها الناس اني مصبح او مصبح على ظهر ابن الخطاب افرارا من قدر الله? قال عمر رضي الله عنه نفر من قدر الله الى قدر الله
وقال قبل ذلك او غيرك قالها يا ابا عبيدة? لو ان الذي اورد هذا الايراد غيرك يا ابا عبيدة? وغيرك قالها يا ابا عبيدة نفر من قدر الله الى قدر الله
ثم قال عمر رضي الله عنه ارأيت لو كان لك ابل نزلت بها في واد في واد له عدوتان
العدوة المكان المرتفع في الوادي
الوادي مجرى السيل
فهذه العدوة لا يصل اليها لا يصل اليها الماء
فالعدوى هي شاطئ شاطئ الوادي
قال عمر فكان له عدوتان هذا الوادي له عدوتان
احداهما خصيبة وفي رواية خصبة
والاخرى جدبة
في ترعى ترعى الابل في الخصيبة ام في الجذبة? والجواب معروف في الخصيبة
وهذا مثل ضربه عمر ليقرب الامر لابي عبيدة رضي الله عنه
فلما عزم عمر رضي الله عنه ان يرجع بالناس جاء عبدالرحمن بن عوف وكان غائبا في بعض شأنه ما حضر هذه المشاورات كان غائبا في بعض شأنه فلما اتى لعمر قال ان لي علما ان لي فيها علما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا وقع في ارظ فلا تقدموا اليه
وان كنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه
فسر عمر رضي الله عنه بذلك
وان اجتهاده رضي الله عنه كان موافقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم
هذا الحديث على ان عمر رضي الله عنه محدث قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر ان يكن في امتي محدثون فمنهم عمر ابن الخطاب وافقه الوحي في نحو خمسة مواطن يقول الامر فينزل الوحي تأييد رأي عمر في اسرى بدر وفي الصلاة على المنافقين وفي الحجاب في امور كثيرة
ومع ذلك عمر يستشير يستشير المهاجرين الاولين والانصار والمتأخرين من من لم يسلم الا بعد الفتح وهذا من رسوخ العقل
ان الرجل العاقل لا يستبد بالامر وانما يسأل ويستشير وهو منهج رباني
يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وشاورهم في الامر
من المقامات والفوائد في هذا الحديث
مقام القدر
عمر رضي الله عنه قال نفر من قدر الله الى قدر الله
المؤمن يوقن بانه في هذا الكون لا يقع امر الا بقدر سبحانه وتعالى ان كل شيء خلقناه بقدر وعمر رضي الله عنه لما طعن ماذا قال? قال وكان امر الله قدرا مقدورا فيؤمن المسلم بان ما يقع في هذا الكون قد شاءه الله وكتبه في اللوح المحفوظ
وعلمه جل جلاله وخلقه
فالله خلقكم وما تعملون
وعمر قال رضي الله عنه نفر من قدر الله الى قدر الله
ابو هريرة ابو عبيدة عامر ابن الجراح كأنه استشكل ان عمر لا يذهب الى الشام وقد عزم
وكأنه نوع تطير
فبين له عمران هذا ليس من التطير
وان هذا من فعل الاسباب التي هي من تمام التوكل على الله عز وجل
فان التوكل هو سكون القلب لله سبحانه وتعالى
وتحرك الجوارح بفعل الاسباب
فليس من كمال التوكل عدم فعل الاسباب والله سبحانه وتعالى يقول ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة
فمقام الايمان بالقدر مقام عظيم والله سبحانه وتعالى لا يقبل من عبد يوم القيامة
صرفا ولا عدلا ان اتاه وهو منكر للقضاء والقدر للقدر خيره وشره
ثم مقام التوكل على الله سبحانه وتعالى في خوف الناس وجزع الناس تجد المؤمن من اهنأ الناس عيشا
واطيبهم نفسا لماذا? لانه يوقن ايقانا تاما
قل يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون
فيقوى توكله وتزداد ويزداد يقينه في وقت الازمات والشدائد وانتشار الاوبئة
وكذلك من المقامات التي يقومها اهل الايمان انهم يفعلون الاسباب
ولا شك ان ترك الاسباب نقص في العقل وترك التوكل نقص في الديانة
ففعل الاسباب فعله سادات الصحابة رضي الله عنهم
كما فعل عمر رضي الله عنه فلم يقدم بالناس الى مكان فيه وباء وبلاء ومن فوائد هذا الحديث ان الوباء اذا وقع في مدينة فانه وكثر فيها فانه لا يقدم اليها بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقدموا اليها ومن كان من اهل هذه البلدة لا يشرع له لا يشرع له ولا يجوز له الخروج منها في قول جماهير من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان يحفظ لبعضهم قولا اخر في هذه المسألة
لماذا لا يخرج منها? الناس لا يقدمون على ارض فيها وباء
هذا مفهوم
وامر معقول ومنطقي
ولكن لماذا لا يخرجون من بلد فيها وباء? قال علماء حتى لا يعدو بقية المسلمين وبقية عباد الله في المناطق في المناطق الاخرى
فهذا الحديث يا معاشر المؤمنين هو اصل في التعامل مع هذه الاوبئة وهذه الامراض يقدرها الله سبحانه وتعالى لحكم عظيمة
يعلمها من يعلمها ويجهلها من يجهلها
نسأل الله عز وجل ان يقينا واياكم شر الفتن وان يدفع عنا الغلاء والوبا والربا والزلازل والفتن
ما ظهر منها وما اقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم