الركن الثالث
أيها المسلمون.. ركن الإسلام الثالث إيتاء الزكاة.
لقد ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم وكرره في نحو ثلاثين موطناً، وذُكر مقرونًا بالصلاة التي هي ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، قُرنت الزكاة بالصلاة في القرآن في نحو سبعة وعشرين موضعاً، وذكرَ الله سبحانه وتعالى الزكاة -هذا الركن العظيم من أركان الإسلام- بلفظة الصدقة والصدقات بنحو اثنا عشرةَ موطناً من الكتاب الكريم.
نزلَ جبرائيل عليه السلام بصورة رجل غريب، ليس عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، كما يقول عمر بن الخطاب، نزلَ إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم يسأله عن مسائل الدين، فكان مما سأل عليه السلام سأل عن الإسلام، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: شهادةُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ وتقيم الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحُجُّ البيتَ. هذا الحديث مرويٌ عن عمر رضي الله عنه في مسلم، ومن حديث أبي هريرة في الصحيحين.
وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، هذا الحديث فيه تشبيه الإسلام بالبناء القائم على خمسة أعمدة، خمسة أركان، الركن الثالث من هذه الأركان إيتاء الزكاة.
أيها المسلمون.. وجوب الزكاة، وعظم قدرها في دين الله عز وجل، بحمد الله لا يخفى على مسلم، فالجميع يعلم قدر الزكاة، وأنها ركن من أركان الإسلام، ولكن الخلل قد يدخل على المسلم في هذا الركن الذي هو من أركان الإسلام من جهات أربعة:
الجهة الأولى الغفلة عنها:
يكون غافلا عنها، فهي ليست كالصلاة يُنادى إليها، وهي ليست كصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام في وقت يستوي فيه الناس، ويُذكّر بعضهم بعضا فيه، وإنما الزكاة يختلف وجوبها بين الناس، فمن الناس من تَجب عليه الزكاة في شهر رمضان، ومنهم في شهر ذي الحجة، ومنهم في شهر صفر وهكذا، فيغفُل عن دفع الزكاة.
الجهة الثانية -من الجهات التي يدخل فيها التقصير على المسلم في إيتاء الزكاة- إيثار الدنيا على الآخرة:
فهو يؤثر الدنيا على الآخرة، ينظر إلى هذا المال ويخشى الفقر، ويتشبث بالدنيا، فتُسَول له نفسه أن يؤخر الزكاة، أو يمنع خروجها، ظنًا منه أن ذلك في مصلحته، وأنّه خير له، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ هذا الذي منعَ الزكاة يظن أن ذلك خيرًا له، والله جل جلاله الذي يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ الله يقول: بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ شر لهم في الدنيا والآخرة، تمحق بركة المال، وفي الآخرة: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يجعل له طوق يوم القيامة يعذب به، ويقول الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ هذه الأموال التي اكتنزوها يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ كنزَ المال يُريد مصلحة له ونفعًا، فإذا هو يَنقلب عليه وبالًا وعذابًا وخزيًا يوم القيامة، ويُكوّى بهذا المال نسأل الله السلامة والعافية من ذلك.
فإلى من يَمنع الزكاة إثارًا للدنيا على الآخرة، فليتأمل بقول الله سبحانه وتعالى، وبهاتين الآيتين التي تبين أن الخير للمسلم أن يُؤثر الآخرة على الدنيا، ويؤدي ما فرضه الله سبحانه وتعالى عليه.
الجهة الثالثة -التي يدخل على المسلم النقص في مسألة إيتاء الزكاة- الجهل بأحكامها:
فهو لا يَعرف أحكام الزكاة، ولا يَدري أي الأموال التي يجب أن يتصدق أو يخرج زكاته، وهذا لا يُعذر به المسلم، لا يُعذر أن يَجهل أحكام ما أنزل الله سبحانه وتعالى عليه في دين الله سبحانه وتعالى.
الزكاة ركن، فالواجب أن يتعلم المسلم، ويتفقه، ويسأل عن المال الذي عنده هل تجب فيه الزكاة أولا؟ ولا يتساهل في هذا، ولا يقول أنا أعذر بالجهل!
وبعض الناس استمر سنوات ثم بعد ذلك هداه الله، وأراد أن يُخرج زكاته، فإذا قد تراكمت عليه سنوات عديدة؛ لأن الزكاة لا تسقط بمرور الوقت، فإذا تذكر المسلم وتاب، وأراد أن يُخرج الزكاة، وقد عطّلها لخمس سنوات أو سبع سنوات أو عشر سنوات، فالواجب عليه أن يُخرج السنوات كلها ولا تَسقط، هي في حقه، هي في ذمته، وسيُسأل عنها يوم القيامة. أرأيتم لو كان له حق على آدمي، هل يسقط بالتقادم؟! هذه حق الله سبحانه وتعالى فلا تسقط، ويجب عليه أن يؤدي الزكاة لكل السنوات السابقة، التي منع فيها زكاته.
الجهة الرابعة -من الجهات التي يدخل فيها الخلل في إيتاء الزكاة عند كثير من المسلمين- التساهل في إخراجها:
فهو يُخرجها كيفما اتفق، ويُعطيها لأي سائل، ولأي أحد، والله سبحانه وتعالى قد بين أصناف الزكاة وأهل الزكاة الثمانية فقال سبحانه وتعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فالواجب على المسلم أن يُخرجها في هذه الأصناف الثمانية، ولا يَتساهل فيُعطيها لأي أحد، ولأي سائل، نعم السائل له حق، ولكنه يُعطى من الصدقات العامة إن رأى المسلم أن يَتصدق على هذا السائل، فإن للسائل حقًا لكن لا يُعطيه من الزكاة، وهو لم يَتثبت من حاله ويعرف أنه من أهل الزكاة.
وبعض المسلمين اعتاد أن يُعطي أرملةً أو يتامى زكاته من سنوات، وهو يقول: عادة لا أريد قطعها! الأرملة قد أغناها الله سبحانه وتعالى بأبنائها، فأصبحوا رجالاً وأصبحوا أغنياء، وهو ما زال يُعطيهم ويقول: لا أريد أن أقطع أمرًا كنت أفعله! إن أراد ألا يَقطع أمرًا كان يَفعله فليُعطيهم من حرِ ماله، يُعطيهم هدية، صدقة عامة، أمّا الزكاة فلا تحل لغني، ولا يجوز أن يَدفعها لأشخاص لم يتثبت أنهم فقراء، أو يَعلم أنهم أغنياء. وكونه يريد أن يَصلهم فيصلهم بغير الزكاة، فالزكاة لا محاباة فيها، فليس كل يتيم مستحق للزكاة، فكم من يتيم يَملك أموالًا طائلة، تركَ له والده مالاً، فهو لا يستحق الزكاة، وكم من أرملة ليست من أهل الزكاة؛ لأنها ذات مال.
فالواجب على المسلم ألا يَتساهل في دفع الزكاة، ويَتثبت أن من يُعطيه هو من أهل الزكاة فيغلب على ظنه أو يتيقن أنه من أهل الزكاة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح القول والعمل وأن يَجعلنا من أهل الزكاة الذين يبذلونها وأهل الصداقات الذين يُنفقونها إيمانًا بالله وتصديقًا بموعوده، وأنه يُخلف هذه الصدقات، وأن ربنا جل جلاله يُربي هذه الصدقات، ويُعظمها ويكون المسلم يوم القيامة في ظل صدقته. نسأل الله من فضله العظيم.