معاشر المسلمين.. يقول الله : وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَإِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ: قال عامة المفسرين: أي حين تقوم إلى الصلاة، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ يعني وأنت تركع وتسجد وتقوم وتخفض وترفع مع المصلين المؤمنين.
وقيل في معنى هذه الآية: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ يعني حين تقوم في أي شأن من شؤونك فإنّ الله يراك.
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قيل: انتقالك واختلاف أحوالك في خروجك ومجيئك وسفرك وحضرك. ويكون معنى السَّاجِدِينَ: أهل الإيمان أو الناس أجمعين؛ لأن الله : يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ.
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ
هذه الآية -يا عباد الله- هي أصل في مراقبة الله ، وهي أصل في زرعِ مراقبة الله جل جلاله في قلب المؤمن، فإنّ الله يَراك في جميع أحوالك، وقد ذكَّر الله نبيَه بهذه الحالة العظيمة الشريفة والنبي ﷺ يقوم إلى الصلاة، وتَقلُبه في السَّاجدين، في الركوع والسجود والخفض والرفع لله .
وإنّ مرتبة الإحسان -يا عباد الله- مرتبة عظيمة وهي أعلى وأشرف المراتب: أنْ تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك.
يا مسلم.. يا عبد الله..
اجعل الله يراك وأنت تقوم إلى الصلاة، تقوم إلى صلاة الفجر وأنت تغالب النوم وتغالب الشيطان وتغالب تعبك وإرهاقك، لكنك تَقوم لله؛ لأنّك تعلم أنّ الله يراك.
اجعل الله يراك وأنت تختلف لهذه الصلوات الخمس العظيمة، صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، تختلف إليها في المساجد، في بيوت الله تركع مع الراكعين، فإنّ الله يحب هذه الصلوات، ويحب المحافظين عليها.
اجعل الله يراك وأنت ترابط في هذه المساجد، تنتظر الصلاة بعد الصلاة.
اجعل الله يَراك وقلبك مُعلق بهذه المساجد، إذا خرجتَ منها حتى تعود إليها.
اجعل الله يَراك وأنت تبكي بين يديه، وأنت ترفع يديك تسأله من فضله العظيم، تدعو الله أن يَهديك، أن يَغفر لك، أن يُدخلك الجنة أن يُعيذك من النار.
اجعل الله يراك وأنت تُخرج من حر مالك صدقة تطوعا لله ، تبتغي بذلك مرضاة الله .
اجعل الله يراك وأنت تُخرج ما فرضَ عليك من زكاة مالك، حتى وإن كثرت، تُخرجها لأنّ الله يراك، تخرجها لأنّك تحب الله، تخرجها لأنّك تخاف الله، تخرجها لأنّك ترجو ما عند الله.
اجعل الله يراك وأنت خارج من بيتك تبحث عن فقير لا يسأل الناس إلحافًا، تبحث عن فقير يحسبه الجاهل غنيًا التعفف، رجال يتعففون، ونساء يتعففون، لا يَخرجون من بيوتهم، ينتظرون أهل الإحسان يبحثون عنهم، ويصلون إلى بيوتهم.
اجعل الله يراك وأنت تخرج من بيتك لا حاجة لك ولا غرض لك ولا شغل لك إلا أن تبحث عن فقير متعفف، تعطيه مما أعطاك الله، تتصدق عليه، هذا الخروج من بيتك وأنت تبحث عن الفقراء عظيم عند الله ، الله يراك حين تقوم وأنت تَبحث عن الفقراء.
اجعل الله يَراك وأنت صائم، قد أغناكَ الجوع وأغناك العطش وأتعبك، لكن الله يراك فتَشعر بلذة عظيمة؛ لأنّك مطيع لله.
ما أصابك من عطش وجوع لَأْوَاء هو أثر من آثار طاعة الله ، يراك الله في هذه الحالة، وفي هذا الحال، وفي هذه العبادة، فربما كتبَ لك رضوانه إلى يومه تلقاه.
اجعل الله يَراك وأنت تظهر خيرًا أو تخفيه أو تعفو عن سوء.
اجعل الله يَراك وأنت تَكظم غيظًا، وأنت قادر على أن تُنفِذه.
اجعل الله يَراك وأنت تَعفو عن الناس، تَعفو عمن ظلمك رجاء رضوان الله ومغفرته.
اجعل الله يَراك وأنت تَصل رحمك الذين ربما قطعوك، وربما آذوك، وربما تكلموا عليك، وربما كان منهم ما كان، تَصلهم تَبتغي بذلك وجه الله ومرضاة الله، وأنت تُراقب نَظر الله إليك.
اجعل الله يَراك وأنت تَبر والديك وقد بَلغا من الكبر مبلغًا.
اجعل الله يَراك وأنت تَخفض لهما جناح الذل من الرحمة.
اجعل الله يَراك وأنت تُقلب صفحات كتابه العظيم القرآن، وأنت تَقضي ساعات عمرك، أوقات ليلك ونهارك في النظر إلى كلام الله ، ترجو الهداية، ترجو الثواب من الله، ترجو رحمة الله وفضل الله وجود الله. تقضي ساعات عُمرك، وأنت تقرأ كلامه، وترتفع بكلام الله ، فإنّ الله يَراك وأنت تقضي الساعات الطوال في النظر في كلامه، وأنت تتلو كلام الله، وأنت تَدبر كلام الله، وأنت تقوم بكلامه في الصلاة.
اجعل الله يَراك وأنت تأمر بالخير وتأمر بالطاعة وتَأمر بالبر، وتأمر بالمعروف.
اجعل الله يَراك وأنت تَنهى عن الفساد، وتنهى عن المعصية، وتنهى عن المنكر.
اجعل الله يَراك وأنت تدعو الناس إلى الخير.
اجعل الله يَراك وأنت في بيتك تُربي أبناءك، تُربي بناتك على الحياء وعلى الصيانة، وعلى مراقبة الله، تُربيهم على تعظيم قدر الصلاة، تُربي أبناءك على محبة الله، ورجاء الله، وخوف الله.
اجعل الله يَراك حيث أمرك، يراك وأنت متلبس بطاعته، وأنت تسعى إلى رضوانه. يَراك وأنت تتقلب في مرضاته وطاعاته.
فإنّ الله يُحب من عباده المحسنين الذين يراقبونه جل جلاله، الذين يعبدوه كأنهم يَرونه، فإنْ لم يكونوا يرونه فإنّ الله يَراهم.
اجعل الله يَراك وأنت تطلب العلم، وأنت ترفع الجهل عن نفسك، وأنت تبحث عن معنى آية من آيات الله في كتابه، وأنت تَقرأ تفسيرًا لكلامه وأنت تبحث عن أحاديث رسول الله ﷺ، تَقرأ أحاديثه وتَتلمس معانيها، وتبحث عن شروحها، فإنّها هذا مما يحبه الله ويرضى به عن العباد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.