أيها المسلمون..أيامٌ قلائل، ونستقبل شهرًا مباركًا كريمًا عظمه الله سبحانه وتعالى، فأنزل فيه القرآن، وصفد فيه مردة الشياطين، رحمة بنا، رحمة من الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين، الراغبين في التزود لله سبحانه وتعالى بالطاعة، والتزود لليوم الآخر.
وإنّ من أخص ما يستقبل به هذا الشهر:
أولًا: الفرح به، والاستبشار بقدومه، فإنّ الفرح بمواسم الخير دليل على حياة القلب، وسلامته وحبه للخير والطاعة، وهو من فَضلِ الله ورحمته، الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالفرح به، قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ.
ثانيًا: مما يستقبل به هذا الشهر، الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، بأن يبلغنا هذا الشهر، وأن يُعيننا فيه على الصيام والقيام وعلى سائر العبادات، وأن يعيننا فيه على الذكر والشكر وحسن العبادة، فإن الدعاء بهذا من أعظم الأدعية، فأعظم ما تدعو الله سبحانه وتعالى وتطلبه من الله، ما طلبه الله منك، وإنّ الله سبحانه وتعالى يَطلب من عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ، ليكن هذا الدعاء هجْيرَاك، لا يَفتر لسانُك عنه، فإنّ الله سبحانه وتعالى إذا أعانك على الذكر والشكر وحسن العبادة، فقد تحقق فلاحك في الدنيا والآخرة.
ثالثًا: مما يستقبل به هذا الشهر، التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والخروج من الذنوب صغيرها وكبيرها لله سبحانه وتعالى.
والجميع بأمس الحاجة إلى التوبة، حتى المؤمنون خاطبهم الله سبحانه وتعالى بذلك، قال الله سبحانه وتعالى: وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ ، وقال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ناداهم باسم الإيمان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ الآية.
ومما يستقبل به هذا الشهر المبارك: العزيمة الصادقة، والنية الطيبة على استغلال كل لحظاته، ليله ونهاره، فيكون المؤمن عازمًا، صادقًا مع الله، أنّ الله سبحانه وتعالى إنّ بلغه هذا الشهر ليعمل بالأعمال الصالحة التي ترضي الله سبحانه وتعالى، ولسان حاله: لئن الله أشهدني هذا الشهر المبارك ليرين الله ما أصنع.
والعبد إذا نوى الخير، فإنّه في خير، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم -كما هو مروي في الصحيحين من غير وجه-: فمَن هَمَّ بحسنةٍ فَلم يعمَلها كَتبها الله عنده حسنةً كاملةً لم يعملها، حال بينه وبين الحسنة أمر من الأمور، عُذر به.
الله جل جلاله من كرمه وجوده وفضله وإحسانه على عباده، يكتبها له؛ لأنّه همّ بها، كانت عنده نية صادقة، وعزيمة طيبة أن يعمل الحسنة، فحال دون ذلك أمر من الأمور معذور بها، فالله سبحانه وتعالى يكتبها حسنة، وإن هَمَّ بها فعمِلها كتبها اللهُ عندَه عشرَ حسناتٍ.
عباد الله..مما يستقبل به هذا الشهر المبارك، وأفضل ما يستقبل به هذا الشهر بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى: العناية الفرائض، والإكثار قدر المستطاع من النوافل.
جاء في الحديث القدسي من حديث عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، -يعني أعلمته- وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، فالفرائض أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، فيعتني بها العبد عناية عظيمة.
ما أوجبه الله سبحانه وتعالى عليك أخي المسلم، ليكن لك به عناية فائقة، في كل أيام العمر، وفي مواسم الخير، تزداد العناية ويزداد الاهتمام، قال الله سبحانه وتعالى في تكملة الحديث :”وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، ولا يزال عبدي” -وفي رواية: ما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، يحرص على الإكثار من النوافل، أمور لم يفرضها الله سبحانه وتعالى على عبده، ولكنه لفرط حبه لله، ولحبه للخير ولحبه للتقرب إلى الله، يزداد من الأعمال، من النوافل، فهو يُسارع في النوافل والمستحبات والسنن، حتى يدرك محبة الله، ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذَا أحْبَبته، ماذا يحدث للعبد؟ إذا أحبك الله؟
أخي المسلم.. إذا أحبك الله ما الذي يتغير عليك في هذه الدنيا؟ يقول الله سبحانه وتعالى: فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ . أخرجه البخاري.
النوافل تُقرب العبد إلى الله سبحانه وتعالى حتى يدرك محبة الله، فإذا أحبك الله سبحانه وتعالى، فلا تسل عن الهناء والسعادة والرضى والطمأنينة، في هذه الدنيا قبل الآخرة ونعيمها وما أعد الله سبحانه وتعالى فيها لأوليائه.
معاشر المؤمنين..وإنّ من أخص النوافل التي جاءت النصوص متكاثرة في فضلها، أن يقرض العبد ربه جل جلاله، ربنا جل جلاله يقول:
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، الله سبحانه وتعالى الغني، القوي، القادر، ملكُ السماوات والأرض، ومالكهما، يستقرض عباده، الفقراء، المساكين، الضعاف، فيقول الله سبحانه وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .
الصدقة برهان، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري: والصَّدَقةُ بُرهانٌ، برهانٌ على أي شيء؟ برهان على إيمانك، برهانٌ على إيمان المتصدق، أن تخرج من حر مالك، فتخرجه في الفقراء والمحاويج، هذا دليل على أنك مؤمن، برهان على إيمانك.
سعيد بن عامر، كان من العباد الزهاد، مرضَ مرضًا شديدًا، وكانت به جراحة شديدة، فعلمَ عمر بن الخطاب به، فأرسل إليه ألف دينار، فلما جاءته، تصدق بها جميعًا، فلامَته زوجته، فقال: إني أَعطَيتها لمن يَتجر بها لنا، يعني ربه جل جلاله؛ لأنه قرض من الله.
علي بن محمد بن علي بن هذيل -رحمه الله-، وكان من الأئمة الزهاد العباد، كان كثير الصدقة، فقالت له زوجته: إنك بهذا تسعى في فقر أبنائك، أنت تريد أن تجعل أبناءك فقراء، قالت له: أنت بهذا تسعى إلى فقر أولادك! فقال لها: لا أنا شيخ طماع، أسعى بذلك في غناهم.
فهو لشدة يقينه يعلم أنّ الله سبحانه وتعالى لا يُضيع أهل الصدقة، الله سبحانه وتعالى لا يُضيع أهل الإنفاق، بل يحفظهم، ويحفظ عليهم دينهم، ويحفظ عليهم مالهم، ويحفظ عليهم ذراريهم.
وإنّ الصدقة -يا عباد الله- من أعظم ما يُصلح الله سبحانه وتعالى به عمل العبد، بل إنّ العبد يُدرك بالصدقة منازل عظيمة من منازل الدين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.