روى الإمام النسائي من حديث محمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال:كنّا جلوسًا عندَ رسولِ اللهِ ﷺ، فرَفَعَ رأسَه إلى السماءِ، ثم وضَعَ راحتَه على جبهتِه، ثم قال: سبحان اللهِ ! ماذا نزَلَ مِن التَشْدِيدِ؟ فسَكَتْنا، وفَزِعْنا، فلما كان مِن الغدِ سأَلْتُه: يا رسولَ اللهِ، ما هذا التشديدُ الذي نزَلَ؟ فقال: والذي نفسي بيدِه، لو أن رجلًا قُتِلَ في سبيلِ اللهِ، ثم أُحْيِىَ، ثم قُتِلَ، ثم أُحْيِىَ، ثم قُتِلَ، وعليه دَيْنٌ، ما دخَلَ الجنةَ حتى يُقْضى عنه دَيْنُه .
ورى الامام مسلم من حديث أبي قتادة الحارث بن ربيعة قال قام فينا رسول الله ﷺ فَذَكَرَ لهمْ أنَّ الجِهادَ في سَبيلِ اللهِ والإِيمانَ باللَّهِ أَفْضَلُ الأعْمالِ، فَقامَ رَجُلٌ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطايايَ؟ فَقالَ له رَسولُ اللهِ ﷺ: نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: كيفَ قُلْتَ؟ قالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطايايَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: نَعَمْ، وَأَنْتَ صابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلّا الدَّيْنَ؛ فإنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلامُ قالَ لي ذلكَ.
كان رسولنا ﷺ كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها “أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ كانَ يَدْعُو في الصَّلاةِ ويقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ المَأْثَمِ والمَغْرَمِ، فَقالَ له قائِلٌ: ما أكْثَرَ ما تَسْتَعِيذُ يا رَسولَ اللَّهِ مِنَ المَغْرَمِ؟ قالَ: إنَّ الرَّجُلَ إذا غَرِمَ-يعني استدان وتحملت ذمته الدين للغارمين- حَدَّثَ فَكَذَبَ، ووَعَدَ فأخْلَفَ” . متفق عليه.
جاء في مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله قال “تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطًى -يعني قام يصلي عليه- ثُمَّ قَالَ: «أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟» قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، -انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه- فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَقُّ الْغَرِيمُ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: «مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟» فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ” .
هذا في دين يسير وهذا كان في أول أمره صلى الله عليه وسلم ثم لما كان من أمر النبي ﷺ بعد الفتوح ما كان، كان يقضي ديون أصحابه عليه الصلاة والسلام.
هذه الأحاديث -يا عباد الله- تبين خطورة الدين. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- تعليقًا على حديث جابر، وأبي قتادة -رضي الله عنهما- قال: في هذا الحديث صعوبة أمر الدين وأنه لا يتحمل إلا من ضرورة.
الدين أمره خطير؛ لأنه حقوق متعلقة بالناس ولو لقي العبد ربه جل جلاله بأعمال عظيمة، ولو كان شهيدًا في سبيل الله، مات في المعركة.
حقوق الآدميين لا مسامحة فيها لابد أن توفى لأصحابها، فالذي يتساهل في أمر الدين ويخوض في أموال الناس، يستدين على أمور من التحسينات والكماليات، فهذا يُعرض ذمته للخطورة ويعرض دينه للمحاسبة عند الله سبحانه وتعالى.
ولا ينبغي للإنسان أن يتحمل الحمالات والدين في طاعة امرأة أو سفيه، أو مجاراة غني، أو مجاراة أحد من الناس، الله سبحانه وتعالى يقول: لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا الطَّلَاق.
الإنسان يرفع رأسه ويتطلع لمن هم أعلى منه دخلاً ومالاً ويريد أن يعيش مثلهم فيُحمّل ذمته هذه الدين ويثقلها بهذا! هذا لا شك أنه لا يقدم عليه رجل يعرف حق الله سبحانه وتعالى ويعرف دين الله سبحانه وتعالى ويعرف النصوص التي جاءت في أمر التشديد في هذه الديون وأموال الخلق.
هذا في شأن الذي يستدين وهو يريد أن يقضي الناس ويريد أن يوفي لهم فكيف بالذي يأخذ أموال الناس ولا يريد أداءها!
جاء في البخاري في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : مَنْ أخذَ أموالَ الناسِ يُريدُ أداءَها، -نيته صادقه أنه في حاجه في ضرورة يريد المال لغرض صحيح- أدّى اللهُ عنْهُ -أي أن الله سبحانه وتعالى يعينه في أداء دينه- ومَنْ أخذها يريدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللهُ . يُتلف ماله، يتلف دينه، يتلف صحته وبدنه، الحديث عام أتلفه الله عز وجل.
فالحذر يا عباد الله من أمر الدين ومن كانت ذمته مشغولة بأموال الناس فليسارع الى أداءها والى تبرئة ذمته منها فإن هذه الديون بها طالب عند الله سبحانه وتعالى ولا تبرد جلدة الميت وعليه دين.
بعض الناس يُسول له الشيطان فيقول أنا اقترضت من رجل موسر لديه مال فماذا يَصنع لو أديت له هذا المال أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ ۦ النِّسَاء.
هو مال له، رزقه الله سبحانه وتعالى، تأخذ ماله وتقول هو غني يصبر! أو غني لا حاجه له بهذا المال! هذا لا يجوز ومحرم.
فينبغي على المسلم من نصح نفسه أن يرعى ديون الناس وأن يؤديها وأن يوفيها، لأن الموت لا يدري متى يبغته، في أي ساعة، وربما بعض الديون لا تُقيد ثقة بمن أعطي هذا المال.
الناس تريد أموالها حتى لو كانوا أغنياء وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ العَادِيَات. الناس تحب أموالها كيف تتعدى عليهم وتأخذها وفي قرارة نفسك أنك لا تؤديها أو أنه غني مستغنى عن المال؟!
فينبغي على المسلم الذي ينصح نفسه أن يوفي هذه الحقوق قبل ألا يكون دينار ولا درهم وإنما الحسنات والسيئات.